منصور بن رجب
وزير بحريني سابق
TT

الخيط السياسي الإقليمي في حديث ولي العهد السعودي

مرت أيام قليلة على الحديث الذي أدلى به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وما زال يشغل الناس والمحللين ووكالات الأنباء، وأعتقد أنه سيبقى كذلك لأسابيع مقبلة على أقل تقدير. وهكذا هي الحال دائماً مع علاة الهمم وبناة الأمم عندما يتحدثون؛ تنشغل الدنيا وتتوجه الأنظار وتصغي العقول وتتغير السياسات وتتبدل المواقف ويتفرغ المحللون للتحليل والاستنتاج وقراءة ما بين السطور.
وهذه هي السعودية الكبيرة التي تشغل الدنيا حين تصمت وتشغلها حين تقول وتشغلها حين تفعل.
ومناسبة الحديث مرور 5 أعوام على انطلاق رؤية المملكة 2030؛ هذه الرؤية التي نجحت حتى الآن في تغيير وجه المملكة ولكنها سوف تغير وجه العالم عند اكتمالها بإذن الله.
والمحللون الذين قرأوا ما بين سطور حديث ولي العهد السعودي بالتأكيد يدركون هذه الحقيقة التي بدأت تستعد لها منذ الآن دول وحكومات وشركات كبرى عابرة للقارات وبورصات عالمية. كلهم قرأوا رؤية 2030 من داخلها وبين سطورها. وبالتأكيد قرأوا معها شخصية صاحبها ومحركها وأبيها الروحي؛ وأدركوا أنها رؤية لا تقف عند حدود المملكة؛ بل تتجاوزها إلى المنطقة بأسرها وإلى الإقليم المحيط والعالم.
ومع أن هناك مفاصل محلية كثيرة وغنية للغاية في حديث ولي العهد السعودي، وفي الرؤية نفسها، فإنني سأمسك في مقالتي هذه بطرف الخيط الإقليمي في الحديث؛ وهو خيط يصل إلى إيران ويمر باليمن والعراق وسوريا وبالتأكيد بقية دول الخليج العربي.
وأبرز ملامح هذا الخيط أنه خيط سلام وتنمية إقليمية شاملة؛ يعرضه ولي عهد الدولة الأكثر تأثيراً في المنطقة لتخليص هذا الإقليم من ويلات حروب واضطرابات طالما أشعلت النيران في حياة شعوبه ومقدرات دوله وجعلتهم محل تنمر الدول الاستعمارية وتدخلاتها التي ما تزال إلى وقتنا هذا تحمل ذات الروح والأهداف والغايات الاستعمارية.
ولو تخيلنا فقط ما كان للمملكة أن تقدمه للعالم والمنطقة لو أنها لم تنشغل في حرب سنوات مريرة مع الحوثيين؟! وماذا يمكن للمملكة ودول الخليج معاً أن يقدموا للعالم لو أنها لم تنشغل بصراعات تحركها أيادٍ عالمية متعددة، ويذكي نارها سماسرة حروب وصراعات دوليون لطالما اعتبروا هذه المنطقة بالذات حديقتهم الخلفية التي يفعلون فيها ما يريدون ويجنون من صراعاتها ما يملأ خزائنهم ذهباً ويملأ نفوسهم جبروتاً وتنمراً ويملأ المنطقة بالتالي فشلاً وتراجعاً في جميع مؤشرات التنمية والنهضة والحضارة والتقدم.
ونعود إلى الخيط الدولي والإقليمي في حديث ولي العهد السعودي؛ لنقول إنه خيط جدير بأن يصل كاملاً ومن دون تشويه إلى إيران تحديداً وبالدرجة الأولى. ولا بأس أن تصل نفحات منه أيضاً إلى إسرائيل وإلى الفلسطينيين وإلى الحوثيين وإلى كل دائرة اشتعال ذاتي في المنطقة لم يحصد شعبها إلا الدمار والتراجع والخسارات المتراكمة. على امتداد الأرض من الفرات إلى النيل ومن بحري قزوين والأسود إلى البحر الأحمر ومن مضيق البوسفور إلى قناة السويس ومضيق باب المندب!
ودعوة الأمير واضحة جلية ولا تحتاج إلى وسائط أكثر صراحة ومباشرة وصدقاً، وهي دعوة رجل اختبر الحروب وصعابها والصراعات وشدائدها والتنمية وآفاقها والنهضة وإنجازاتها.
ولنا أن نتخيل ماذا يمكن أن تصل إليه المنطقة والإقليم من تنمية وثراء وقوة لو كانت العلاقات السعودية الإيرانية تحديداً غير ما هي عليه منذ أكثر من 3 عقود؟!
وليس ثمة شروط معقدة لما يعرضه ولي العهد السعودي من أجل حياة أفضل للمنطقة وشعوبها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، فقط أن تتخلى إيران عن أطماعها؛ إذ سيساهم ذلك في ازدهار المنطقة من جديد ويتعزز اقتصادها وتتقدم تنميتها وينصلح حال شعوبها.
أما المملكة فرؤيتها التي دخلت حيز التنفيذ والإنجاز ضمنت لها مقعداً متقدماً جداً في قطار التنمية والنهضة الشاملة. وهي سوف تغير وجه المملكة والعالم بهذه الرؤية التي تمتد مكتسباتها لتشمل دولاً وشعوبا وحكومات واقتصادات ومجتمعات وتنميات. وهذا العرض الموجز من ولي العهد السعودي لمنجزات وآفاق هذه الرؤية هو أفضل دليل على الإمكانات التي تعِد بها الرؤى الحكيمة عندما تتوجه لخدمة الشعوب والأمم. إنها ونتائجها الباهرة التي لم يعرض ولي العهد السعودي سوى نماذج قليلة منها؛ تصلح أن تكون أوراق اعتماد حضارية لكل الرؤى التنموية والاقتصادية العابرة للجغرافيا والتاريخ عندما تمسك بها أيدٍ خبيرة وتديرها عقول كبيرة وتتصدى لها همم عظيمة.
وعندما كرر ولي العهد السعودي الربط بين نتائج الرؤية ومنجزاتها والحديث عن إيران وآفاق العلاقة معها، فقد كان يضع نقاط الاقتصاد على حروف التنمية ويضع أمور المنطقة في نصابها الحقيقي، لو أنها تخلت عن صراعاتها واستبدلت أجندات الأطماع برؤى التنمية.