لم تكرس السيناتورة الجمهورية الأميركية مارشا بلاكبيرن كثيراً من وقت منصبها الرسمي في الانشغال بالمسألة الإيرانية. وقد طرحت السيناتورة مارشا قدراً من الوضوح بشأن هذه القضية لا سيما مع تقديمها لمشروع قانون يهدف إلى منع الرئيس جو بايدن من إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015.
ومما قالت «لقد حان الوقت أمام الرئيس بايدن لأن يدرك أن الولايات المتحدة لا يمكنها التفاوض على اتفاق يتسم بالنزاهة والأمانة مع الحكومة الإيرانية، نظراً لأنها تمثل النظام المتعصب والمعادي للولايات المتحدة. وعليه، لا يمكن لأي قدر كان من التفاوض غير المباشر أن يسفر عن تغيير واضح في ذلك الموقف».
لقد انتقد الديمقراطيون منذ فترة طويلة سياسات الرئيس السابق دونالد ترمب بفرض العقوبات الجديدة على إيران، وصرح ترمب بأن العقوبات تهدف إلى الاستمرار في ممارسة الضغوط على إيران بُغية الموافقة على اتفاق نووي أفضل، غير أن الجانب الديمقراطي رد بأنها طريقة غير مباشرة لمحاولة فرض التغيير في النظام الإيراني.
والآن، تركت بلاكبيرن ذلك القناع ليسقط تماماً؛ إذ تقول إن المشكلة الرئيسية مع إيران تتعلق بالنظام الحاكم نفسه، وإنه لن يوافق أبداً على شروط أقوى لأي اتفاق نووي قادم، مثل حظر تطوير الصواريخ الباليستية، وإلغاء بند تخصيب اليورانيوم، أو إنهاء الدعم الإيراني للعدوان في منطقة الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه، فإنَّ بلاكبيرن تعمل على أمر ما، فإذا ما نجحت إدارة بايدن في المفاوضات النووية الجارية في فيينا، فمن إحدى العواقب هي المكاسب غير المتوقعة لآلة الحرب الإيرانية الرعناء. وما تزال هناك عشرات مليارات الدولارات المستحقة للحكومة الإيرانية محتجزة في حسابات مصرفية في الخارج بسبب العقوبات الاقتصادية الأميركية. وسوف تتمكَّن إيران من الحصول على تلك الأموال حال رفع العقوبات عنها.
لذلك، فإن الاتفاق الذي يسعى إلى منع الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم من الحصول على السلاح النووي، سوف يزودها من جانب آخر بالأموال التي تشتد الحاجة إليها لرعاية المزيد من التنظيمات والعمليات الإرهابية. وليس هذا بعيب في الاتفاق بقدر ما هو عيب في النظام الإيراني نفسه.
فمن شأن مشروع القانون خاصتها أن يمنع إنفاق الأموال الفيدرالية على إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. كما يطالب الرئيس بايدن، وأي رئيس مقبل للولايات المتحدة، برفع أي اتفاق مع إيران إلى مجلس الشيوخ الأميركي كمعاهدة تستلزم موافقة ثلثي أعضاء المجلس. وهذه من الأهداف الجديرة بالإشادة، غير أنها تجعل من الصعب رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.
وللقيام بذلك، ينبغي على السيدة بلاكبيرن، وإدارة الرئيس بايدن أيضاً، النظر في صياغة منهج جديد. ومن بين الأفكار الإفراج عن المليارات الإيرانية رهن التجميد حالياً في الحسابات المصرفية الخارجية حتى يوافق النظام الإيراني على إجراء استفتاء - تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة - لتغيير دستور البلاد، وإلغاء منصب المرشد الأعلى غير الخاضع لأي مساءلة على الإطلاق. لقد نال هذا التغيير الدستوري نصيبه من التعميم بين أبناء التيار الإصلاحي في إيران منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. وفي السنوات الأخيرة، نال المقترح التأييد من جانب عدد كبير من المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان في إيران.
وهناك فكرة أخرى تتمثل في العمل المباشر مع المنظمات الإنسانية داخل إيران، في محاولة للإقلال من الأضرار الناشئة عن العقوبات الاقتصادية على إمدادات الغذاء والدواء في إيران. ومفاد الفكرة يكمن في تسليم هذه البضائع إلى المنظمات الإيرانية العاملة بمعزل عن النظام. كما يمكن للرئيس بايدن رفع بعض القيود المصرفية للتسهيل على المغتربين الإيرانيين في الخارج في إرسال الأموال إلى النقابات العمالية العاملة في إيران. وتشير هذه المقترحات، وسواها، إلى أن الولايات المتحدة غير عاقدة العزم على معاقبة الشعب الإيراني بسبب انتشار الإرهاب الذي يرعاه النظام الحاكم الذي يقمع حرياتهم.
قبل ستة أعوام مضت، كانت هناك حجة قوية مطروحة وذات مصداقية مفادها أن البديل المحتمل عن الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس أوباما، هو نشوب الحرب الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. غير أن الحكومة الإسرائيلية قد برهنت على أن عمليات العرقلة من شأنها كبح البرنامج النووي الإيراني من دون أن تتحول المنطقة إلى ساحة حرب مفتوحة بين مختلف الأطراف. لقد وفرت عمليات التخريب الإسرائيلية للرئيس بايدن وقتاً ثميناً لتركيز السياسات الأميركية على لُب المشكلة في صميم الأزمة النووية الإيرانية، ألا وهو النظام الإيراني الحاكم.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT
لماذا لن تسفر المفاوضات الإيرانية عن أي نتيجة؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة