أصدرت هيئة المحلفين التي أدانت ضابط الشرطة الأميركي ديريك شوفين بمقتل المواطن الأسود جورج فلويد حكماً صحيحاً للغاية. وفي أعقاب إصدار مثل هذا الحكم المهم، يكاد يكون من الغريزي الاقتراح بأن هيئة المحلفين قد نطقت بما في ضمائر الشعب الأميركي بأسره، الأمر الذي يعد ضربة قاصمة للعنصرية في أميركا. لكن على الرغم من أن أحكام هيئة المحلفين غالباً ما تكون غارقة في الحيثيات، إلا أنه ينبغي علينا التعامل مع هذا النوع من التفسيرات بكل حذر. فإننا لن نتمكن من معرفة ما إذا كانت تلك اللحظة تمثل فعلا نقطة التحول المنشودة في مجريات العدالة الأميركية من عدمه قبل مرور أعوام عديدة مقبلة.
في مواجهة حادثة مؤلمة على الصعيد المحلي وبارزة على الصعيد الوطني مثل مقتل جورج فلويد، فإننا بطبيعة الحال نميل إلى اعتبار قرار هيئة المحلفين من المؤشرات الصحية على توجهات بلدنا.
ويصح القول إنه على اعتبارها مؤسسة وطنية، يمكن فهم هيئة المحلفين من زاوية الإعراب عن مشاعر الأميركيين. ورغم ذلك، فإن أية هيئة للمحلفين لا يمكن عدها شريحة عرضية معبرة تماماً التعبير عن الشعب الأميركي. فلقد طلبت المحكمة من 12 مواطناً فقط إصدار الحكم بشأن الوقائع والقانون الذي بين أيديهم. ويأتي أعضاء الهيئة من الجوار وليس من شرائح المجتمع الأميركي بأسره. ويجري اختيارهم لأنهم كانوا مؤهلين للقيام بذلك الدور.
وبالنظر إلى الأمر من هذه الزاوية، فإن الحكم الصادر ضد الضابط ديريك شوفين لا يقدم بين أيدينا أي استنتاج مهم بشأن مسار العدالة العنصرية داخل أميركا.
تأكيدا للقول، فإن الحكم الصادر يبعث على الارتياح، لا سيما أننا نعلم من التجارب السابقة أن هيئة المحلفين كان يمكن أن تتخذ مساراً مغايراً للتوقعات. ولقد رأينا مراراً من قبل هيئات المحلفين التي ترفض إدانة أفراد الشرطة بأخطر الاتهامات في قضايا استخدام القوة المفرطة مع المواطنين السود. وفي بعض الأحيان، لا يوجه المدعون العامون قوائم الاتهام الخطيرة. وإننا كمواطنين نرغب في التصديق بأن الحركات الشعبية من شاكلة حركة «حياة السود مهمة» تحدث فرقاً معتبراً في حياة الناس. ولولا إدانة ديريك شوفين في ارتكاب جريمة القتل، لكان من المؤكد أن يعتبر الحكم الصادر مجرد مثال آخر على العنصرية المنهجية لمؤسسة العدالة في أميركا.
ومع ذلك، فإن حكم الإدانة الصادر مؤخراً ربما لا يعني أي شيء بأكثر من نتيجة جديدة وجيدة لما توصلت إليه جهود أناس صادقين وأمناء لم يغضوا الطرف عن قضية مهمة تتعلق باستخدام الشرطة الأميركية القوة المفرطة ضد مواطن أسود.
لم يطلب أحد من هيئة المحلفين تحديد أن الشرطي شوفين قتل جورج فلويد بدوافع العنصرية. بل كان المطلوب من هيئة المحلفين هو تحديد ما إذا كان تسبب عن علم ودراية في وفاة جورج فلويد على أساس حقائق الأمر الواقع المطروحة بين أيديهم ليس إلا.
والنتيجة تكمن في أننا لا نستطيع الوقوف على ما إذا كان الحكم بإدانة قاتل جورج فلويد يشير إلى نقطة تحول في مسار العدالة العنصرية في أميركا. ربما بعد مرور سنوات كافية، والبدء في المزيد من مساءلة ضباط الشرطة عن استخدام القوة المفرطة ضد المواطنين السود، أن نكون قادرين وقتذاك على النظر في هذا الحكم الصادر أخيراً بأنه نقطة تحول مهمة.
في غالب الأحيان نرغب في أن يتحمل نظام المحاكم الجنائية في بلادنا أعباء وتبعات رمزية هائلة، سواء كانت سلبية أم إيجابية. والحقيقة هي أن نظام المحاكم في البلاد ليس إلا جزءاً صغيراً من منظومة أكبر بكثير. ويمكن لهيئة المحلفين البعث برسالة مهمة، غير أن هذه الهيئة من المحلفين لا تملك المقدرة على تغيير النظام بصورة جذرية. فهذا هو العمل الذي ينبغي أن تضطلع به بقية أطياف الشعب الأميركي رفقة مؤسساته.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT
تداعيات الحكم ضد قاتل فلويد
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة