لا أدري كيف كان وقع اكتساء جريدة «الشرق الأوسط» في مناسبة يوم المرأة العالمي (8 مارس (آذار) 2021) باللون الزهري - المبطن - مع بقاء لونها التقليدي - الأخضر المميز - على القارئ، رجلاً كان أو امرأة، باكتساح قلم وقصص نجاح وكفاح المرأة العربية لصفحاتها من الغلاف للغلاف، في رسالة قل ما نجدها حاضرة على منصات إعلامنا العربي بوسائله الكلاسيكية أو العصرية بمثل هذه القوة في طرحها، والتي تناولت حبكتها جوانب مشاركة المرأة في الفضاء العام بشكل موفق، وبإشارات ورسائل ذكية ومهنية أنعشت الوعي واللاوعي بصور ومشاهد ومضمون مؤثر ومرجح لكفة المرأة، على غير العادة، وبتنوع يثير الاهتمام ويبعث في الوقت ذاته للعديد من التساؤلات المرتبطة بواقع حال المرأة في هذا الأوان.
ولا يخفى على الجميع أن عمليات تقدم المرأة عالمياً مستمرة على قدم وساق، ونشهد في وقتنا الحاضر قراءات جديدة لمؤشرات تقدمها التي تدلل وتبرهن على أن هناك تغيّراً حقيقياً يحصل في الميدان... ميادين الحياة والعمل على اختلاف مساراتها. وبأن هناك تقدماً نسبياً يتحقق في مجالات بعينها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، مجال الفضاء والطاقة النووية والاختراعات العلمية والاستثمار في علوم المستقبل. بل نجد ميلاً واضحاً للعديد من الدول، وخصوصاً دول المنطقة، بالعمل على تحسين مؤشرات تنافسيتها في التقارير الدولية، التي نجحت بدورها، في إحياء شعلة التسابق، بين الدول، لمواصلة تطوير البيئة القانونية بدءاً بتشريعاتها التي تمس حياة المرأة داخل المؤسسة الأسرية، وصولاً إلى مشاركتها في الشأن العام، وخصوصاً دخولها في السلطة التشريعية، الذي تعتبره المقاييس الدولية أرقى أشكال مشاركة المرأة في الحياة العامة وأفضلها.
ولكن تبقى الخطابات والبيانات الصادرة عن المؤسسات الدولية كئيبة في أغلب الأحيان، وتميل للتحذير من أن هذه الجهود غالباً ما تتأثر بالتقلبات والمقاربات، المنظورة وغير المنظورة، بين ركود اقتصادي ونزاعات سياسية وأزمات مناخية وأمراض وأوبئة مستجدة، تكون المرأة فيها، على الدوام، الحلقة الأضعف والضحية الأولى على صفوف مواجهة ما يعاني منه العالم. وتسجل تلك التوقعات الدولية، في حال استقامت الأحوال واستقرت الأوضاع، إلى استنتاج مخيف، وهو أن الفجوة بين مشاركة الرجل والمرأة لن تغلق إلا بعد 100 عام، وبخسائر تقدر بمليارات الدولارات. وخلاصة الأمر، لا يوجد تقدم كافٍ للمرأة على استمرار الجهود الجماعية في كل مكان والمحاولات الجبارة لنساء العالم بحفر طريقهن نحو القمة... القمة التي تختارها، هي وحدها، هدفاً لحياتها.
والبحرين ليست باستثناء عن دول محيطها الخليجي والدول العربية التي تجاوزت «خريفها المفتعل» بأن تتوفق في تحقيق الكثير من المبادرات والبرامج والآليات، وأن تتجاوز بعض النسب العالمية في مجالات بعينها، وأن تكسر المرأة بدورها حواجز «وهمية» عديدة بإصرار وعزيمة، وتحت رعاية إرادة سياسية لا تكل ولا تتعب، لتكون المرأة عنصر رخاء لا شقاء، وتتحول مسألة مشاركتها إلى أمر واقع « «De factoبالاستناد إلى أنظمة ملزمة، نأمل أن يكون نهاية مطافها اندماجها الكامل في إدارة العمليات التنموية والشؤون العامة... بعيداً عن «الكوتا» وأخواتها.
وفي سياق ما تقدم، يلح علينا سؤال قد يجد البعض مبرراً لطرحه وهو... متى وكيف ستستقيم كفتا ميزان مشاركة المرأة؟ في الوقت الذي يواجه التطبيق العملي لهذا السؤال ظواهر ومؤشرات تتطلب أن تستقيم عبرها موازين أخرى لنصل لميزان العدالة في محصلته النهائية؟
فمثلاً... متى سيستقيم ميزان «الخصوصية الوطنية» في مقابل «المطالبات الدولية» من دون التقليل من شأن ما يتحقق في إطار تلك الخصوصية، ما دامت تأخذ في اعتبارها التدرج في التطوير والسعي الجاد لتنقية النصوص وتجديدها حفظاً لمركز المرأة كمواطن ذي أهلية مستقلة؟
ومتى سيستقيم ميزان توطين مؤشرات التقدم المنشود بحسب «الأولويات الوطنية» أولاً... ومن ثم تلبية «الالتزامات الدولية» ومقارعة الحجة بالحجة لما يشكلّ تعبيراً حقيقياً عن أثر مشاركة المرأة وانخراطها في الشأن العام، كنسبة العالمات وصاحبات الأعمال، مقابل نسبة من تنتخبه صناديق الاقتراع؟ أو نسبة ارتفاع معدلات دخل المرأة مقابل الزيادة المطردة لصرف إعانات التعطل؟
ومتى سيستقيم ميزان الحاجة المستمرة لوضع التدابير التمييزية لصالح المرأة لتقوم بواجباتها في الرعاية الأسرية بكل ما تحمله هذه الكلمة من مسؤوليات تجعل من المرأة المسؤول الأول وصاحبة العبء الأكبر، في الوقت الذي يتحمل الأب كما الأم مسؤولية نشأة الأبناء، لتتحول التدابير الإيجابية لتحمل المسؤولية الأسرية لشأن مشترك، يخص الرجل كما المرأة حفظاً واستقراراً لمشاركة الطرفين في تنمية اقتصاد مجتمعاتهم؟
وإلى متى سنظل تحت رحمة اختلال ميزان الاهتمام بما يتحقق واقعياً للمرأة في دولنا العربية من قبل العين الدولية بلا إقحام لفكر أو آيديولوجيا أو حسابات لا دخل لها بعملية إنصاف المرأة ورفع أشكال التمييز عنها؟ وإلى متى سيستمر إعلامنا العربي، عن قصد أو عن غير قصد، في التمييز في ترويجه لصور المرأة المتعددة ليقع في مطب التمييز الجغرافي بين «مركز وأطراف»، وبين «شمال وجنوب»؟
على أي حال، تبقى مسألة تقدم المرأة واستدامتها والمضي قدماً بالمزيد من السياسات والقرارات الشجاعة والمؤثرة، مسألة خاضعة لتطلعات النساء ورغبتهن الحقيقية في ممارسة دورهن الأصيل في المساهمة في إدارة شؤون بلادهن، وأن تكون عملية تقوية واستقرار المراكز القانونية لأفراد الأسرة العربية نابعة من سماحة النصوص الدينية بعدالتها ومساواتها للتكاليف الدينية قبل الدنيوية، ومتسقة في الوقت ذاته مع التزامات الدولة المدنية القائمة على عدم التمييز أياً كان شكله أو لونه.
وكل عام والمرأة تخط فصولاً من التفوق لمستقبل أوطاننا الباهر من الخليج إلى المحيط.
- الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة في مملكة البحرين