د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

هل تعاد الانتخابات التشريعية في تونس؟

في هذه الصائفة تجاوز الأمر ارتفاع الحرارة السياسيّة إلى ما يشبه الحريق السياسي في تونس: رئيس الحكومة قدم استقالته، وبرلمان أعماله التشريعية معطلة بسبب اعتصام كتلة الحزب الحر الدستوري، والعراك شبه اليومي الذي عطل سير أعمال البرلمان وجعله يشهد أزمة حقيقية، الأمر الذي استدعى تدخل رئيس الدولة للتحذير من نتائج استمرار الوضع البرلماني على هذا الشكل.
فماذا يجري في تونس؟ ولماذا انسداد الأفق الذي تشهده؟ وهل إن ما يروّج حول إمكانية حل البرلمان وإعادة الانتخابات يمثل حلاً إيجابياً ومريحاً للتونسيين؟
أصل المشكلة على امتداد مرحلة ما بعد الثورة مرده صراع آيديولوجي، ما فتئ يتعاظم ويشتد حتى أنّه وصل إلى نقطة خانقة. هذا الصراع لم يكن بهذه الحدة في السنوات الخمس الأولى لعدة اعتبارات؛ أولها أن حركة النهضة كانت آنذاك في مرحلة الانتقال من الطور النّضالي إلى طور المشاركة السياسية، خصوصاً أن فوزها بالأغلبية النسبية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 قوّى من شوكتها السياسية وحصل نوع من الرضوخ لنتائج صناديق الاقتراع.
ولكن الصراع القديم بين الأعداء اللدودين؛ حركة «النهضة» والدستوريين والتجمعيين واليسار ظل يشتعل تحت الرماد تارة وفوقه تارة أخرى، لذلك فإنه يمكن القول إن الحقد الآيديولوجي في تونس انتصر على كل شيء وخلق ما يشبه الحاجز النفسي المانع بدوره للعمل سوية.
قد نتساءل لماذا تم الرضوخ لوجود حركة النهضة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وانتخابات 2014 وانعدم هذا الرضوخ لنتائج صناديق انتخابات 2019؟
الإجابة سهلة جداً: لأن حركة النهضة لم تمارس الحكم قبل الثورة من جهة وأيضاً الأخطاء التي عرفتها مشاركتها، رغم أن من هذه الأخطاء ما تتحمله الطبقة السياسية الحاكمة جميعاً، إلا أنه كما هو معروف فالطرف الأقوى برلمانياً والمحدد الرئيسي لتركيبة الحكومة عادة ما يتحمل وحده كل الوزر.
ولكن مع ذلك فإن السبب الأكبر في عدم الرضوخ لنتائج صناديق الاقتراع الأخيرة، هو أن هذه الصناديق عكست تراجعاً في شعبية حركة النهضة ومنحت الفرصة للحزب الدستوري الحر الذي يركز في مشروعه على شيء واحد: إسقاط حركة النهضة واتهامها بأنها حركة إرهابية. وهذا ما حصل، حيث إنه منذ دخول الحزب الحر الدستوري البرلمان ككتلة مهمة نسبياً فإنه وجه كل جهده للهدف المذكور، الأمر الذي جعل من البرلمان حلبة للصراع الآيديولوجي، خصوصاً أن رئيس حركة النّهضة راشد الغنوشي هو رئيس مجلس نواب الشعب في الوقت نفسه.
إذن يمكن الاستنتاج أن تراجع شعبية حركة النهضة في الانتخابات التشريعية الأخيرة أضفت عليها عند خصومها ضعفاً تعاضد مع الفشل في تمرير الحكومة الأولى في مجلس النواب، وتدخل رئيس الدولة لتقديم الشخصية الأقدر، دون أن ننسى أن التقارب مع الموقف التركي في الأزمة الليبية قد وظفه خصومها ضدها، فبلغ الصراع الآيديولوجي حداً كبيراً رأى فيه خصوم حركة النهضة اللحظة المواتية للقضاء على حركة النهضة سياسياً.
ولكن هل إن هذا ممكن بالطريقة التي يروّج لها خصوم حركة النهضة؟
في الحقيقة مثل هذا السؤال لا يستطيع الإجابة عنه إلا الشعب التونسي نفسه من خلال صناديق الاقتراع سواء إذا تم حل البرلمان وأُعيدت الانتخابات أو في الانتخابات القادمة في عام 2024. ولا شيء يضمن أن تفقد حركة النهضة قواعدها الشعبية دفعة واحدة. بل إنّ الخوف من الخروج من المشاركة السياسية يمكن أن يخلق حالة تضامن حزبي قوية تفاجئ الخصوم، خصوصاً أننا نتحدث عن حركة إسلامية مجبولة على الانضباط الحزبي وحتى لو ظهرت مؤشرات الانشقاق وتراجع الانضباط المشار إليه فإن الخوف من العودة إلى زمن ما قبل الثورة والإقصاء والمطاردات سيقوي آليات الدفاع عن النفس.
لذلك فالحل كما يبدو لنا ليس في حل البرلمان والرهان على ما تردده شركات سبر الآراء، بل في تقوية الأحزاب المعارضة لحركة النّهضة نفسها في صفوف الشعب التونسي واكتساب قواعد شعبية عريضة تخولها كسب الانتخابات القادمة مع الاضطلاع في الوقت الراهن على الوظيفة النقدية للمعارضة، وإظهار قوة الأداء السياسي الخاص بها.
وهنا نشير إلى أن للانتخابات دائماً مفاجآتها ويخطئ من يعتقد أنها ستسير وفق الانتظارات والمتوقع، وهنا يكفي أن نستدل بفوز السيد قيس سعيد المستقل بـ73 في المائة من الأصوات. كما أن الرئيس قيس سعيد حالياً ليس في صف أي طرف، وربما الأزمات الحاصلة في المؤسستين التشريعية والتنفيذية تعجل من طرح مشروعه الخاص الذي يجد بدوره انتقادات من الدستوريين والحداثيين.
لذلك فإن كل ما يحدث حالياً في الحقل السياسي التونسي هو بمثابة إضاعة الوقت والعمل على تأزيم الأوضاع، حيث تقول المؤشرات إن نسبة البطالة ستبلغ في نهاية العام الراهن 20 في المائة وهو رقم مخيف وتداعياته الاجتماعية مخيفة أكثر. فإضعاف الحكومات الراهنة وتعطيل التنمية يعنيان أن كل طبقة سياسية ستحكم في المستقبل القريب والبعيد ستجد الأوضاع المالية والاقتصادية ضعيفة بشكل لا يسمح بالنجاح ومن ثم تكرار الفشل.