ليس لأنه مستحيل التحقيق، إنما لأن إنجاز نجاح دولة الإمارات العربية في إطلاق «مسبار الأمل» تم وسط ظروف عربية أقل ما يُقال بشأنها، هو أنها تحبط الروح المعنوية للناس في كل المجتمعات العربية، فما المانع إنْ وُضع الوصول إلى مثل هذا الهدف المتميز، في مصاف الإعجاز؟ لا شيء، ولو حتى من منطلق الانبهار، إذ مرحى لكل ما من شأنه إشعار العرب، من ضفاف المحيط الأطلسي إلى شطآن الخليج العربي، أن بإمكانهم، ذات نهار مشرق بأمل قائم على العمل، ومستند إلى تخطيط علمي، الانتقال من وضع محبط إلى آخر أفضل. أليس من المهم أن يتذكر المرء، دائماً، وكلما أحاط به حال مولّد ليأس قاتل لأي إقدام على التغيير، المبدأ القائل إن وُجِدت إرادة، وُجد طريق؟ بلى. يصح هذا على الأفراد كما الشعوب والمجتمعات عموماً.
الأرجح أن نجاح الإمارات في إطلاق «مسبار الأمل» سوف يستحضر مسلسل انطلاق العرب في رحلات فضاء، بدءاً برحلة الأمير سلطان، نجل خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز. شكلت مشاركة الأمير سلطان في رحلة المكوك ديسكفري STS-51G، الذي انطلق من مركز كيندي للفضاء بفلوريدا، يوم الاثنين 1985/6/17 إيذاناً بافتتاح إسهام العرب في مجال علمي منطلق عالمياً، منذ مطالع خمسينات القرن الماضي. كانت الأسئلة، وبالطبع لم تزل، كثيرة. وكان نجاح تلك الانطلاقة، التي تمت بعد ترشيح المنظمة العربية للاتصالات الفضائية للأمير سلطان للمشاركة في رحلة المكوك، إلى جانب ستة رواد فضاء من فرنسا والولايات المتحدة، موضع ابتهاج العرب باختلاف توجهاتهم.
بعد مرور سنتين على أول مشاركة عربية، في ارتياد الفضاء، سجل السوري محمد أحمد فارس ثاني حضور عربي فضائياً من خلال مشاركته في رحلة سوفياتية - روسية على متن المركبة الفضائية SOYUZ - M3 يوم 1987/7/22. تلك رحلة كانت مخصصة لإجراء أبحاث وتجارب علمية دار أغلبها حول تأثيرات المكوث داخل مركبة فضائية، فترة زمنية تمتد أياماً، على رواد الفضاء أنفسهم، فيما تدور خارج سطح الأرض. الحضور العربي الثالث فضائياً كان إماراتياً. بيد أن الطيار الإماراتي هزاع المنصوري، كان أول رائد فضاء عربي يقضي ثمانية أيام داخل محطة الفضاء الدولية ISS التي تدور على ارتفاع 399 كيلومتراً، فوق سطح المعمورة. تم ذلك عبر تعاون روسي - إماراتي، عندما شارك هزاع المنصوري مع رائدي فضاء روسيين في رحلة المركبة الفضائية Soyuz MS 15 يوم 2019/9/25.
في سياق ما سبق، سوف توثق سجلات تاريخ محاولات الإنسان اكتشاف عوالم الفضاء، أن مصر كانت أول دولة عربية تدعم جهود العالم بموهبة ذات تميّز في كفاءتها العلمية، كي تسهم في البحوث التي ستوصل، لاحقاً، إلى وضع أقدام بشرية فوق سطح القمر، فتشكل بذلك إضافة تعزز المجهودات الجارية لاكتشاف كوكب المريخ. تلك الكفاءة هي الدكتور فاروق الباز، العلامة في أبحاث الجيولوجيا، الذي استفادت وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» من كفاءته، بل عبقريته، خلال سنوات عمله معها من 1967 إلى 1973 في تحديد مناطق معينة فوق سطح القمر، تصلح لهبوط رواد مركبة «أبولو» عليها كي تعينهم على جمع معلومات تفيد في فهم التكوين الجيولوجي للقمر، وعلاقته بالتكوين الجيولوجي للأرض.
كنت أتابع «بي بي سي» منتظراً أن أختم مساء الأحد الماضي بمشاهدة برنامج عرض الصحف البريطانية الصادرة صباح الاثنين، عندما ظهر فجأة «فلاش» BREAKING NEWS BREAKING NEWS على الشاشة قبل عرض الصحف معلناً إطلاق الإمارات «مسبار الأمل». أحسست بفرح، وأين العجب في ذلك، خصوصاً حين يستحضر المرء كم من مرة، ومض بريق «خبر عاجل» كي يعلن ارتكاب تنظيم «داعش» لجرم إرهابي، سواء في بريطانيا ذاتها، أو بأي مكان على الأرض. لعل من الطريف أن ثمة مفارقة هنا تخص هذه المقالة تحديداً. توضيح ذلك أنني أعددت، مُسبقاً، معظم نص مقالة يتناول مضمونها الجدل المُثار حول السماح للشابة شميمة بيغوم، كي تعود إلى لندن وتستأنف معركتها القضائية لأجل استعادة جنسيتها، التي جرى إلغاؤها بعدما قادها ضلال فكر «داعش» للالتحاق بالتنظيم. واضح كم هو الفارق شاسع بين ظلام التطرف، وبين نور العلم والمعارف، حين يوسع مدارك البشر، ويعين على اكتشاف فضاءاتها بلا حدود. مبروك للإمارات العربية المتحدة إنجازها المهم، ولكل العرب.
8:2 دقيقه
TT
إنجاز إماراتي أشبه بإعجاز
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة