تهدد العقوبات الأميركية الجديدة ضد شركة «هواوي تكنولوجيز كو» بتدمير التسوية التي أقرها مسؤولون بريطانيون في يناير (كانون الثاني) للحفاظ على معدات شركة الاتصالات العملاقة، ومقرها شنغن، داخل شبكات المملكة المتحدة، ما يثير من جديد معضلة كبيرة أمام رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ويترك ثغرة على صعيد سلاسل الإمداد المتعلقة بالشركات الناقلة.
في هذا الإطار، صرح متحدث رسمي باسم المركز الوطني للأمن السيبري في بريطانيا، الأحد، بأن المركز: «يمعن النظر بحرص في أي تأثير» للعقوبات الأميركية التي أقرت في 15 مايو (أيار)، والتي تمنع «هواوي» من تعهيد رقائق صنعت بالاعتماد على تكنولوجيا أميركية.
وقد تجعل القواعد الجديدة من المستحيل على الشركات الناقلة ضم «هواوي» إلى خطط لبناء شبكات الجيل الخامس، حتى وإن كان المشرعون بالمملكة المتحدة قد أثاروا غضب حلفائهم الأميركيين، بامتناعهم عن فرض حظر كامل على الشركة الصينية في يناير. وبالنظر إلى انتشار استخدام التكنولوجيا الأميركية، فإن ذلك قد يعني أن «هواوي» ربما تُمنع من شراء أو حتى تصنيع الرقائق التي تحتاجها، مأزق لن يفلح فيه حتى الدعم الدبلوماسي.
وخلصت مجموعة من المحللين يقودها بيير فيراغو داخل مؤسسة «نيو ستريت ريسرتش» إلى أنه: «حسب الوضع الراهن، أمام (هواوي) 12 شهراً فقط على قيد الحياة، فمن دون الرقائق الرائدة، ليس بمقدور (هواوي) بيع معدات شبكات تنافسية، وليس هناك بديل للمصنعين المعتمدين على التكنولوجيا الأميركية في تصنيع مثل هذه الرقائق».
داخل المملكة المتحدة، تتسم «هواوي» بأهمية محورية لشبكات الاتصالات عن بعد على مستوى البلاد، فهي مصدر قرابة ثلث الهوائيات اللاسلكية، و40 في المائة من المعدات اللازمة لشبكات الألياف الضوئية عالية السرعة. وليس هناك بديل واضح ليحل محلها.
ويمكن أن تمهد هذه الصفعة الطريق أمام مسؤولي الحكومة البريطانية والشركات الناقلة للتخلي عن «هواوي»، بعد أكثر عن عام أخفقت خلاله التصريحات الصارمة والقيود الأقل شدة في تعزيز الأهداف الأميركية.
من ناحيتهم، يقول مسؤولون أميركيون إن «هواوي» كيان يعمل بالوكالة عن حكومة بكين الاستبدادية، وإن الحلفاء الذين يعتمدون عليها سيفتحون الباب أمام التجسس، وتلك ادعاءات نفتها «هواوي» على نحو متكرر. وقد هددت الولايات المتحدة بتقليص مستوى التشارك في الاستخبارات مع الحلفاء الذين لا يحظرون «هواوي».
في المقابل، أعلن نائب رئيس «هواوي»، فيكتور زهانغ في رده على بيان المركز الوطني للأمن السيبري، أن «أولويتنا تبقى الاستمرار في طرح شبكات جيل خامس جديرة بالاعتماد عليها، وآمنة، عبر أرجاء بريطانيا... نحن سعداء بمناقشة المركز الوطني للأمن السيبري في أي مخاوف قد تكون لديه، ونأمل الاستمرار في علاقة العمل الوثيقة التي حظينا بها طوال السنوات العشر الأخيرة».
جدير بالذكر في هذا الصدد أنه في يناير، حظرت المملكة المتحدة على الشركة الصينية توفير مكونات تخص لب شبكات حساسة، والتي تحتفظ بمعلومات العملاء، وتتحكم فيها، وكذلك فيما يخص مواقع مثل المواقع النووية وقواعد عسكرية. إلا أنها سمحت لـ«هواوي» بتوفير ما يصل إلى 35 في المائة من معدات شبكات الجيل الخامس غير الحساسة، مثل الهوائيات. وأثارت هذه التسوية غضب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومع ذلك، لا يبدو التخلي عن «هواوي» أمراً هيناً.
وبوجه عام، يبدو هناك بديلان كبيران فقط: «نوكيا أوي» الفنلندية، و«إريكسون إيه بي» السويدية. وتحذر شركات الهاتف من أن منح هاتين الشركتين احتكاراً للشبكات البريطانية من الممكن أن يسبب ارتفاعاً شديداً في الأسعار، ويعيق الابتكار التنافسي، بجانب أنه من غير الواضح ما إذا كانت أي من الشركتين تملك القدرة التصنيعية على توفير معدات كافية خلال مدى قصير.
وسعياً وراء تنويع سلسلة الإمداد بدرجة أكبر، ساندت شركات ناقلة كبرى مثل «فودافون غروب» مبادرة لتحويل مزيد من الـ«هارد وير» والـ«سوفت وير» الخاص بها إلى صور متلائمة مع معدات نطاق أوسع من الشركات التجارية؛ إلا أن إنجاز هذا الأمر سيستغرق سنوات، ولا يشكل حلاً على المدى القصير.
من جهته، اقترح المدعي العام الأميركي بيل بار ضرورة أن تدرس الولايات المتحدة وحلفاؤها ضخ استثمارات في «نوكيا» أو «إريكسون».
في تلك الأثناء، فإن التعامل مع نسبة الـ35 في المائة التي حظيت بها «هواوي» داخل بريطانيا يبدو مكلفاً بالفعل. ومن جهتها، أعلنت «بي تي غروب»، أكبر شركة ناقلة خدمة الهواتف في بريطانيا، في يناير، أن إصلاح شبكاتها للتخلص من معدات الجيل الرابع التي وفرتها «هواوي»، والتي ستشكل الأساس للمرحلة الأولى من خدمات الجيل الخامس، ستبلغ تكلفته 500 مليون جنيه (616 مليون دولار). أما استبدال جميع المعدات فيكلف «بي تي» ومنافسيها المليارات.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»