عضوان الأحمري
صحافي سعودي، رئيس خدمات الديجيتال والأونلاين في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

سعودي في مجلس العموم البريطاني!

الكسل في زيارة معالم المدن التي نعيشها أمر معيب، لكننا نتعايش معه ونعتاد عليه، ولا نعتبره عيبا بقدر ما هو أمر مؤجل سيأتي موعده. وهذا ما يفعله بعض العاملين في العاصمة البريطانية، مدينة الضباب، لندن.
المرور من أمام قصر ويستمنستر الشهير عالمياً بأنه مبنى البرلمان البريطاني ليس كزيارته، والتقاط صورة أمام ساعة بيغ بين ليس كالقراءة عنها ومعرفة تاريخها، ومحاولة قراءة تفاصيل تلك الساعة الرمز.
ولأنني جزء من ذلك البعض، الكسول بزيارة معالم المدن التي يعيش فيها، فإن السلوك هو نفسه. التقاط الصور أمام المباني من دون معرفة تاريخها، أو مشاهدة حدث في أحد ميادين لندن الشهيرة. ثم سؤال الجمهور عن مناسبة هذا الحدث، لتجد علامات الاستغراب قبل الإجابة، وكأنك تعيش في مدينة لا تعرفها ولا تعرفك، ولا يمكنك الوثوق بها قبل اختبارها.. ولأنك تجهل تفاصيلها، عليك البدء في رحلة البحث والاستكشاف.
هذا الكسل طال حتى أهدى لي الأستاذ الكبير أمير طاهري، الكاتب والصحافي والمفكّر الإيراني، دعوة لحضور إحدى المناسبات المعقودة في المبنى البديع بعمارته القوطية المتميزة والمطل بإباء على نهر التيمز.
قبلت الدعوة وذهبت إلى المناسبة كصحافي، وحين دخلت المبنى بدأت الصدمة بالتفاصيل، برموز بريطانيا العظماء منحوتين على نحو يجعلك تقف أمام كل واحد منهم فترة من الزمن قد تؤخرك عن حضور المناسبة الأساس. وهكذا استمر الحال حتى دخلت إحدى القاعات في الطابق السفلي من المبنى، الذي يضم في الواقع البرلمان بمجلسيه: العموم واللوردات، وكان تطور في مراحل تاريخية عدة منذ القرن الرابع عشر الميلادي، حين كان برلمانا لانجلترا وتدرج الحال حتى أصبح لبريطانيا.
قاعة مجلس العموم، تتميز بمقاعد النواب الخضراء اللون. مبهر خشبه المعتق القديم هذا المجلس الذي شهد مداولات وقرارات وترددت في جنباته أصداء خطب قادة عظام أثّرت في مسار الأحداث في بريطانيا وعلى امتداد العالم. دخلت إلى إحدى غرف مجلس العموم، وهيبة المكان حاضرة، صامتا في زاوية الغرفة أستمع لكلام مايك روجرز رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأميركي، وفي هذه الأثناء كنت أشاهد كيف تدار الجلسة، وهي محاضرة جانبية مدتها ساعة من الزمن. بعد أقل من دقيقة من نهاية الساعة، ولأن الحديث عن سوريا والعراق و"داعش" والأزمة الحالية في الشرق الأوسط يطول، أخذت الأسئلة تتهاطل أمام عجز المتحدث عن استخدام مظلة الوقت، إلى ان تدخل أحد العاملين ليقول إن الوقت انتهى، وأن ثمة محاضرة يفترض أنها بدأت منذ دقيقة في الغرفة نفسها. هنا، تعرف لماذا ظلت هذه القاعة بتفاصيلها صامدة فترة طويلة من الزمن، ومعها البرلمان. لك أن تعرف أن لا مجاملات هناك في ما يتعلق بالوقت، وهو الذي يحكم كل شيء لدى البريطانيين.
أول زيارة لمجلس العموم، دفعتني للخروج بعد انتهاء المحاضرة وملاحقة الضيف، إلى التجول في البهو الرئيس الكبير، وقراءة تفاصيل السياسيين المنحوتين في ذاكرة التاريخ قبل أن تنصب لهم النصب.
تأملت كثيرا، ثم استأذنت الشرطي: هل مسموح لي التقاط صور؟ ابتسم وقال: بالتأكيد. هنا خرجت من عباءة الصحافي إلى عباءة السائح، واستمتعت بتفاصيل البرلمان ومجلس العموم، وتركت مجلس اللوردات وقاعاته وكراسي لورداته الحمراء اللون من دون زيارة، وذلك كي يكون هناك سبب للعودة مرة ثانية وثالثة.