بروك سذرلاند
TT

أزمة «بوينغ» من سيئ إلى أسوأ

أصبح في حكم المؤكد أن كارثة سقوط الطائرة «737 ماكس» من إنتاج «بوينغ» ترجع في الجزء الأكبر منها إلى عوامل بشرية. والآن، بدأت الشركة تعاني من بعض تداعيات الكارثة.
كان من شأن سقوط طائرة من طراز «ماكس» تتبع شركة الخطوط الجوية الإثيوبية في مارس (آذار)، بعد خمسة شهور فقط من سقوط طائرة من الطراز ذاته تتبع شركة «ليون إير»، وضع الشركة المصنعة في قلب عاصفة سياسية قانونية مالية، شهدت طرح تساؤلات علنية حول سمعة الشركة بمجال السلامة. والمؤكد أن إصلاح نظام التحكم في الطيران، الذي من المعتقد أنه ضالع في الحادثتين، سيستغرق فترة أطول من المتوقع، في خضم تركز الأنظار على الشركة، بينما يتعذر على «بوينغ» تسليم الطائرات من دونه. وعليه، أعلنت الشركة في وقت متأخر الجمعة أنها ستحد من إنتاج الطائرة «ماكس» ليصبح 42 طائرة شهرياً، بدلاً عن المعدل الحالي البالغ 52. وقبل كل ذلك، كانت «بوينغ» تخطط لرفع معدل إنتاج «ماكس» إلى 57 شهرياً؛ هدف طموح كانت شركات التوريد تستعد له عبر الاستعانة بمزيد من الموظفين، وتوسيع نطاق قدرة التصنيع.
اليوم، تخطط «بوينغ» للعمل مع شركات التوريد من أجل تخفيف وطأة التداعيات المالية المترتبة على هذا التغيير. وأعلنت كل من «سبيريت إيروسيستمز هولدينغز»، و«سي إف إم إنترناشونال»، وهي مؤسسة مشتركة تعمل بمجال تصنيع المحركات وتتبع «جنرال إلكتريك كو.»، و«سافران إس إيه»، عزمها على الإبقاء على وتيرة الإنتاج الحالية. إلا أنه من غير الواضح ماذا ستفعل «بوينغ» بمثل هذا المخزون. وكلما طال أمد امتناع شركات الطيران عن تسيير رحلات باستخدام الطائرة «ماكس»، تراجعت احتمالات خروج شركات التوريد من هذه الأزمة دونما أضرار. وتواجه هذه الشركات مخاطرة فقدان عائدات بسبب تقلص الطلب، وتوجيه استثمارات إلى مشروعات ليست إليها حاجة.
ومن ناحية أخرى، تتصاعد الشكاوى القانونية مع حث المحامي الممثل لحقوق المستهلكين، رالف نادر، على سحب طائرات «ماكس»، نيابة عن ابنة أخيه التي لقيت مصرعها في حادث سقوط الطائرة الإثيوبية. ومع أنه قد لا يحرز تقدماً كبيراً في مسعاه، فإن شركة الخطوط الجوية الإثيوبية أعلنت الجمعة أنها تعيد التفكير في خطط لشراء 25 طائرة «ماكس» إضافية بسبب «الوصمة» التي أصبحت مرتبطة بالطائرة.
ومن ناحيتها، شرعت شركة «بي تي غارودا إندونيسيا» في اتخاذ خطوات بالفعل لإلغاء صفقة بقيمة 4.8 مليار دولار، لأن عملاءها لا يثقون بالطائرة.
ومن جهتهم، قال محققون هذا الأسبوع إن الطيارين العاملين لدى شركة الخطوط الجوية الإثيوبية حاولوا اتباع إجراءات لوقف تفعيل نظام السيطرة على الطيران الذي وضعته «بوينغ»، بعد حادث تحطم طائرة شركة «ليون إير». وقد عجز الطيارون عن استعادة السيطرة، مما يوحي بأن الإجراء لم يكن على القدر ذاته من البساطة الذي صورته «بوينغ»، ويقوض محاولاتها السابقة لدفع اللوم عن الحادث بعيداً عنها، عبر إصرارها على أن الطائرة لا تشوبها شائبة. وعلى ما يبدو، جاء تقرير المحققين بمثابة لطمة على وجه «بوينغ» التي أبدت فيما مضى تبلداً في ردود أفعالها تجاه حوادث تحطم طائرات من قبل، وأبدت رفضاً قاطعاً لأي تلميحات بأن تصميماتها أو عمليات تشغيل طائراتها معيبة.
وبغض النظر عن ذلك، تتحمل «بوينغ» مسؤولية إصلاح البرنامج الذي ثبت تعقيده. وأعلنت الشركة في وقت سابق هذا الأسبوع أن الأمر سوف يستغرق عدة أسابيع أخرى، قبل أن تتمكن من عرض تحديث البرنامج على إدارة الطيران الفيدرالية للحصول على موافقتها. ويبدو هذا الأمر مثيراً للحرج بعض الشيء، بالنظر إلى أن «بوينغ» عقدت بالفعل فعالية الأسبوع السابق للترويج للبرنامج المحدث بين الطيارين والصحافيين، وأعلنت أنها ستقدم آخر المستندات المطلوبة إلى إدارة الطيران الفيدرالية. وبالتأكيد، يتعين على «بوينغ» التأكد من أنها أدخلت جميع الإصلاحات المطلوبة هذه المرة. وأفادت تقارير بأن الشركة اكتشفت وجود مشكلة في دمج الإصلاحات الجديدة مع البنية التحتية الحالية المرتبطة بنظام السيطرة على الطيران، وأنها اكتشفت مشكلة جديدة بالبرنامج. ويسلط هذا الضوء على حقيقة أن هذه عملية لا ينبغي التعجل فيها، خصوصاً أن جهات تنظيمية دولية تشعر بأنها مضطرة إلى الاعتماد على إدارة الطيران الفيدرالية فيما يخص مراجعات السلامة، في خضم تساؤلات غير مريحة حول ما إذا كانت الإدارة تتساهل على نحو مفرط في تعاملها مع «بوينغ».
والآن، يتعين على المستثمرين في «بوينغ»، وشركات التوريد المتعاونة معها، الشروع في الاعتياد على فكرة الانتظار لفترة طويلة، قبل أن تعود «ماكس» لتحلق في السماء.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»