سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

السباق إلى السرد

يقف عدد من الروائيين والروائيات العرب في طابور طويل بانتظار إعلان نتائج الجائزة الأدبية المعروفة بالـ«بوكر». فالروائية هدى بركات، وهي إحدى المرشحات البارزات للجائزة، قد قالت للزميلة فاطمة العبد الله إنها تعمل على رواياتها بصبرٍ شديدٍ وتأنٍ كاملٍ، فـ«الرواية ليست فشفشة». وفي هذا اختصار شديد ودقيق لحال كثير من الأعمال الروائية، وخصوصاً النسائية منها. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت الرواية عمل من لا عمل له، كما كان الشعر من قبل. فكل من لم يجد لنفسه لقباً أو مهنة، رأى في ادعاء الشعر سهولة جائزة، ولو لفترة قصيرة، ينسى بعدها ما ادعاه، ولا يكلف أحداً أن يتذكر.
صدر أخيراً للدكتور جورج دورليان (عميد كلية الآداب في جامعة البلمند) كتاب بعنوان «البحث عن المعنى» للرواية اللبنانية، ينطلق فيه من أن الرواية «ملحمة العصور الحديثة، شعراً أو نثراً، والتراث العربي الأدبي زاخر بأعمال تشهد لهذا المزج الخلاق». ويقول الدكتور دورليان إن الرواية ولدت من الخطاب السردي الشفوي، وتحولت إلى صنعة كتابية تنتظم في داخلها عناصر قصة أو سيرة أو حدث أو واقعة أو مشهد، بيد أن الرواية خرجت من النطاق الكلاسيكي في العقود الأخيرة من القرن الماضي، ولم تعد تلتزم الأصول أو الفروض الماضية. ويلاحَظ أن في مخيّلة الروائيين اللبنانيين، يحتلّ الأب دائماً مكانة ملتبسة وغامضة: غيابه يجعله موضع شك، وكائناً لا معنى له، بل كائناً خيالياً لا بد من إعادة تكوينه.
وبحسب دورليان، فإن بيروت تلعب دور البطولة في روايات كثيرة؛ إنها المدينة التي جاءها أهل الأرياف بحثاً عن حياة ومستقبل، أو حتى جاءها أيضاً الحالمون من الأوطان المجاورة، بحثاً عمّا تاق إليه أهل الريف اللبناني، أي الانعتاق والحرية والعوالم السحرية. يقابل ذلك، في الرواية العربية بشكل عام، الدور الذي تلعبه القاهرة حيال الأرياف، بل وأيضاً حيال المدن المصرية الأخرى، برغم حجمها الكبير. فالهجرة كانت من كل مكان إلى القاهرة، وليس مثلاً من الصعيد إلى الإسكندرية أو بورسعيد أو المنصورة. ولعل هذه التجربة ليست عربية فقط، فالغربة ما بين الريف والمدينة تجربة مرّت بها جميع الحضارات، خصوصاً في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، حيث لعبت القرية دور المكان الهانئ والمطمئن، بعكس المدينة الطاحنة، القاسية القلب، التي لا مكان فيها للعطف. ولذلك تتشابه الصور في «الصدمة الثقافية» بين بيروت وباريس ونيويورك. أو بين القاهرة والرباط، أو بين بغداد ودمشق. فالمدينة واحدة في سرعتها الظالمة، والريف واسع الصدر بسيط المطالب.