ميثاق مملكة البحرين يشكل مرحلة تاريخية في مسيرة الأحداث التي مرت بها البحرين، حيث يشكل الميثاق القاعدة التي ارتكز عليها المشروع الإصلاحي الذي نقل البحرين إلى مرحلة جديدة.
ووضع هذا الميثاق البحرين في موقعها الجيوسياسي المناسب، حيث شكلت البحرين في يوم ما ملتقى لحضارات كثيرة، مما جعل مبادئ التسامح والمساواة والتعايش السلمي متجذرة في تاريخ البحرين، وامتزجت الثقافات في هذه المملكة. ولذا، يمكننا القول إن الميثاق الوطني الذي صوت عليه الشعب بنسبة 98.5 لم يأتِ من فراغ، إنما يمثل امتداداً لتاريخ طويل من التطور الحضاري للبحرين. وبسبب عدة متغيرات سياسية واقتصادية حدثت في المنطقة، كان لا بد من قيام مشروع ينظم الدولة، ويساير روح العصر، خصوصاً أن البحرين محل أطماع دول تحيط بها، وخاصة التدخلات الإيرانية التي لا تزال تطمع في البحرين، فكان لا بد من إيجاد نظام دولة مدنية، يعيش الجميع فيها بأمن وسلامة ومساواة وعدالة اجتماعية. ولذلك، فالملك حمد بن عيسى آل خليفة تميز برؤية ثاقبة، حيث وضع البحرين في المسار الصحيح، فكان هناك المشروع الإصلاحي الذي ينظم الدولة، ويحدد أدوار السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويكرس القيم الأساسية التي تضمن تماسكها ووحدتها، ويؤكد من ناحية أخرى قيماً تكرس ثقافة المجتمع، وهي الثقافة العربية الإسلامية، وهي قيم: التسامح، والعدالة الاجتماعية، والمساواة في الكرامة الإنسانية.
ومما فرض الأخذ بهذا المشروع الإصلاحي التجارب الديمقراطية التي مرت بها البحرين، حيث إنها شهدت قيام أول مجلس شورى طالب به الشعب، واستجاب الشيخ عيسى بن علي لهذا المطلب في عام 1942، وصدر أول دستور في البحرين في ذلك الوقت. وفي فترة الاستقلال، أنشئ مجلس وطني جاء بعد انتخابات نزيهة. ولذا، يمكننا القول إن مشروع المجتمع المدني ليس بجديد على البحرين. ومن هنا، جاء المشروع الإصلاحي تتويجاً لمسيرة الدولة المدنية في البحرين.
وما إن أخذ الميثاق طريقه على أرض الواقع، وتم تفعيل دور المؤسسات الديمقراطية، من خلال مجلسي النواب والشورى، وتم التأكيد على الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، أخذت الجمعيات السياسية تعبر عن آرائها وتدلي بدلوها، في مناخ من الحرية المسؤولة.
وفي حين أن هناك فئة خاصة، تسير وفق أجندة خارجية، سعت (ولا تزال)، وبكل ما تملك، لأن ترجع بالوطن إلى الوراء، فإن حركة التاريخ لا تسير في اتجاه معاكس. فقد استغلت قوى الظلام ما سمي «الربيع العربي» لكي تقتنص الفرصة، بيد أن الوعي السياسي عند شعب البحرين حال دون ذلك، وكان لدول الخليج العربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية، موقف تاريخي سجل في التاريخ.
كل القضايا يمكن التشاور فيها، والحوار حولها، إلا قضية الأمن الوطني، فهي خط أحمر لا مساومة عليه. ولذا، فتح الملك حمد بن عيسى آل خليفة حواراً على مستوى الجمعيات السياسية، وكذلك تمت الاستعانة بلجنة دولية محايدة لتقصي الحقائق، يرأسها بسيوني، ونفذت البحرين كل ما جاء من وصايا لهذه اللجنة لبدء مرحلة جديدة، ولكن الطرف الذي أشعل الفتنة لا يزال يغرد خارج السرب، وخارجاً عن الإجماع الوطني.
فهنيئاً لشعب البحرين الحياة الآمنة التي يعيش فيها، ومسيرة الإصلاح التي تسير بخطى متأنية، وحفظ الله البحرين، ملكاً وحكومة وشعباً، من كل مكروه.
8:32 دقيقه
TT
البحرين وميثاقها
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة