جاء الخطأ في معالجة الكلمات الذي كشف عن غير قصد الأحكام السرية ضد مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج، مثيراً للغط ولكثير من الأمور، ليس أقلها وجود أخطاء أخرى تعود إلى ما قبل هذا التاريخ.
يثير هذا الخطأ سؤالاً جوهرياً بشأن سن السياسات: بماذا تفسر المحاكمات السرية في دولة حرة منفتحة؟ أو هل هناك آليات قيمة تكفل سيادة القانون؟
لقد جاء الكشف عن قضية أسانج بالمصادفة عن طريق قاضٍ فيدرالي كان بصدد رفع دعوى ضد شخص يدعى سيتا سليمان كوكاي، لكن حدث بالخطأ مرتين أن دوّن الاسم على أنه «أسانج» بدلاً من «كوكاي»، والأخير رفعت السرية عن قضيته مؤخراً. واكتشف الخطأ سيموس هاغز؛ خبير الإرهاب الذي يتولى الرقابة على القضايا المعروضة أمام المحكمة.
يمكن لأي شخص عمل محامياً أو مساعداً لمحامٍ أن يفسر كيف حدث ذلك. فمكاتب المحامين والهيئات القضائية تحتفظ بنسخ من المستندات التي تتضمن صياغة قانونية نمطية، مثل تلك اللغة التي يستخدمها المدّعون في شرح أسباب سرية قضية ما.
غالباً ما تتضمن الوثائق أسماء بداخلها. فعندما كنت مساعداً لمحام في فترة الصيف بمحل أحذية راقٍ منذ 20 عاماً، كانت جميع الوثائق تحمل اسم البنك الاستثماري الذي كانت مؤسسة المحاماة تمثله لأكثر من نصف قرن.
وفي حالة أسانج، من المحتمل أن مكان الوثيقة تغير عندما تقدم المدعي بطلب تحويل القضية إلى قضية سرية. ويحق للمحامي الذي يرفع الدعوى تغيير اسم المدعي الوارد في الوثيقة بداعي السرية، والمدعي في حالة كوكس ربما كان على عجل ولم يراجع الاسم.
إن مبرر إضفاء السرية على الحكم القضائي هو عدم السماح للمدان بالهرب بعد علمه بالحكم. لكن من المفترض أن تكون السرية ملجأً أخيراً لا تضطر إليه المحكمة؛ إلا حال لم تتيقن من صحة الاسم وساورها الشك في صحته، وهذا هو السبب في أن المحكمة تكتمت عليه في حالة كوكاي وفي حالة أسانج أيضاً. لكن المبرر لسرية الحكم سواء أوكلت للمدعي أو للقاضي تظل غير مرغوب فيها. فالدستور الأميركي يطالب بأن تكون المحاكمات علنية أمام الناس، ذلك لأن سيادة القانون في دولة ديمقراطية تحتم ألا تكون هناك محاكمات سرية. فالعلنية تساعد على التدقيق والمراجعة وكذلك الاحتجاج في حال الإخلال بالقانون وعدم تطبيقه بعدالة.
إن توجيه الاتهام سراً لا يختلف كثيراً عن المحاكمات السرية... فمن ناحية المبدأ، يحق للناس معرفة من تقاضيه الحكومة.
أسانج هو المثال الأوضح لحتمية معرفة الناس بشخصية المتهم الذي يواجه المحاكمة. فتلك القضية أثارت أسئلة محيرة بشأن حرية التعبير. فإذا كان هو الشخص الذي قام بتلقي التسريبات ونشرها، فمن حقه التمتع بالحماية وفق «التعديل الأول للدستور»، وإذا كانت حقيقته أبعد من ذلك بأن تعمد نشر الفضائح وأدار عملية التسريب في إطار مؤامرة للتلاعب بنتائج الانتخابات، فسيكون ما فعله سبباً لحرمانه من التمتع بـ«قانون الحقوق» لأنه سيكون حينها مجرماً.
لا نعرف ما فعله بالضبط أو ما يدّعيه البعض عليه، وهنا مربط الفرس؛ فالأحكام السرية لا ترضي الناس، وتحرمهم من حقهم في النقاش والاقتناع بعدالة المحاكمة.
لكن علينا أن نتذكر أنه حال ألقي القبض على أسانج وأحيل للمحاكمة، فسوف نعلم بطبيعة الاتهام في الحال، وفي حال لم يُلقَ القبض عليه، فلن يحاكم لأن الولايات المتحدة لا تحاكم أحداً غيابياً. وهنا يمكن الجدل بأن سرية المحاكمة ضرورية للمساعدة في القبض عليه.
أنا لست متأكداً من أن هذا المنطق كان سيقنع القاضي. فأسانج بكل تأكيد يعلم أن الولايات المتحدة تسعى إلى تسلمه، وهذا هو السبب في بقائه فترة طويلة بسفارة الإكوادور في لندن. ولذلك لم تكن سرية الحكم في هذه الحالة أمراً ضرورياً، ما دام يعلم أنه مطلوب.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:2 دقيقه
TT
أسانج وسرية المحاكمة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة