آيلين كوجامان
كاتبة معلقة ومحللة في التلفزيون التركي
TT

إلى إخواننا السوريين

ظل اللاجئون يبحثون عن مأوى لهم في تركيا لعدة قرون: حيث هرع الروس عقب الثورة البلشفية عام 1917، واليهود الفارون من الاضطهاد النازي، والأرمن، والإيرانيون بعد عام 1979، والأفغان، والعراقيون الفارون من نظام صدام. كان باب تركيا دائما مفتوحا، حتى أثناء معاناة تركيا من أخطر المشكلات الاقتصادية.
دخل أكثر من 1.2 مليون لاجئ إلى تركيا في غضون ما لا يزيد على ثلاث سنوات للمرة الأولى في تاريخه. يعيش ما لا يقل عن 250 ألف لاجئ سوري من الوافدين في مخيمات، والباقي في مختلف المدن. ويقدر هذا العدد بأن يصل إلى 1.5 مليون بحلول نهاية عام 2014.
يذكر أن صحيفة «نيويورك تايمز» وصفت مخيمات اللاجئين في تركيا بـ«مثالية». وبينما يستمر الدعم المادي واللوجيستي في الوصول إلى المخيمات، استقر اللاجئون الأفضل حالا في بعض المدن؛ منهم قرابة 67 ألفا في إسطنبول وحدها. ومع ذلك، هناك أيضا من ليسوا على درجة كبيرة من الثراء ومن يعانون من الفقر في المدن الكبيرة. أعلن محافظ إسطنبول عن أن هناك تدابير سيجري اتخاذها، ولكن ردود الفعل المناوئة للاجئين التي تطلقها بضعة أصوات أصابت الشعب التركي بالدهشة.
أريد أن أبعث برسالة بناء على هذه التفاعلات الضعيفة ولكنها تدعو إلى القلق في نفس الوقت، والتي أثارتها فئة صغيرة تفضل العنف. آمل أن تصل هذه الرسالة إلى أولئك الذين يعتقدون بأن اللاجئين في هذا البلد يمثلون عبئا، أو أولئك الذين قد يغلقون الأبواب في وجه اللاجئين من أجل راحتهم الشخصية أو لأسباب ديموغرافية.
لا أحد يسعى إلى ترك بلاده أو وطنه أو عائلته ليعاني الفقر في شوارع أرض أجنبية إلا إذا كان في حالة يرثى لها. لهذا السبب ليس هناك حاجة لإثبات من الأمم المتحدة بإعطائهم صفة لاجئ. يجب أن تكون جميع الأبواب مفتوحة أمام الفارين من بلادهم.
يعني أن تقول للاجئ «عد إلى وطنك» فإنك بذلك تسلمه إلى حيث نهايته. وأولئك الذين يعيدونه سيقع على عاتقهم مسؤولية وفاته. وستلطخ أيديهم بدمائه.
ومن يقولون: «لقد أفسد اللاجئون الراحة والسكينة علينا، يظهرون انعدام ضمائرهم بشكل لا يمكن تفسيره. قد لا يكون هناك ذات النظام المعهود منذ مجيء اللاجئين، وقد تتأثر إدارة شؤوننا التجارية، وقد نعاني الجوع، أو نتعرض للأذى أو حتى نصاب. إن من يعيشون لراحتهم الخاصة يشيعون الأنانية السائدة في العالم بالفعل. قد يأتي اليوم الذي تنقلب أنانيتهم عليهم».
أولئك الذين يقولون «دعونا لا نعترف بأي لاجئ، أو دعونا نعيدهم»، بحاجة لأن يكونوا واضحين بشأن ما يقترحونه. هل سيجد هؤلاء الناس الطعام، والمرافق، وأماكن آمنة للعيش عندما يعودون، أو هل يريدون إعادتهم إلى جحيم على الأرض؟ هل وجدوا حلا، أم أنهم ببساطة منعدمو الضمير؟
يصبح الأمر أكثر سوءا إذا كان من يحملون مثل هذه الأفكار هم المسؤولون عن حكم البلاد. فالشخص الذي لا يشعر بالتعاطف مع أناس يواجهون شتى الصعوبات، لن يشعر بالأحرى بأي شفقة تجاه شعبه. والشخص الذي لا يحمي الأبرياء في أوقات الشدة، لن يساعد شعبه؛ تسود روح القسوة نفسها في كل مكان وتحت كل الظروف.
وأولئك الذين يعدون اللاجئين مصدرا للمشكلات أو يعدونهم مواطنين من الدرجة الثانية يجب أن يتذكروا أنهم قد يجدون أنفسهم في نفس الموقف يوما ما. فكم عدد من عاشوا في ثراء في حلب منذ خمس سنوات، ويتوقع أنه قد يتحتم عليهم في يوم من الأيام الفرار من منازلهم والعيش في خيمة في أرض أجنبية؟ ليس على المرء أن يصل إلى تلك الحالة حتى يشعر بمعاناة اللاجئين، لا يحتاج المرء سوى إعمال ضميره.
لا يسعى البعض في تركيا إلا وراء مصالحهم الخاصة، ويحرص البعض على عدم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولدى البعض مخاوف سياسية قد تكون في إطار موجة من الأنا الفردية، ولكن لا شيء يبرر تسليم شخص لقاتل. لا يمكن لانتشار الشر في العالم أن يحط من قدر الإنسان إلى درجة تخليه عن كل القيم الأخلاقية والإنسانية.لا يمثل ذلك إلا نفوسا خاوية لا يمكن وصفها.
إن اللاجئين السوريين هم إخوتنا مواطنونا. وواجب علينا رعاية اللاجئين. لا نزال نواجه صعوبات من أجل هذا الغرض. إننا محررون، ولسنا قتلة. ويجب ألا ننسى أن ضيوف الرحمن دائما ميمونون؛ وبالتالي، لا تأثير لأصوات مسلوبي الرحمة ومتحجري القلوب في هذا البلد. فلطالما قامت تركيا بحماية اللاجئين، بصرف النظر عن دياناتهم أو أعراقهم أو أجناسهم. فعلى إخواننا السوريين ألا يقلقوا. فلا تتسع هذا البلاد لعقليات قد تعيدهم إلى حيث يقتلون.
قد يجب أيضا أن أقول كلمة عن سلوك أوروبا تجاه اللاجئين. فمن بين 40 ألف طلب قدم منذ عام 2011، قبلت بريطانيا 2000 طلب، وقبلت فرنسا أقل من ذلك. متى ستدرك أوروبا، التي تأخذ فيها الأفكار التي تدعو إلى العنصرية والعنف في الارتفاع، أن المشكلة الحقيقية هي انعدام الرحمة؟ آمل أن تدرك ذلك قريبا، لأن الإنسانية هي من تجلب الخير للبلاد، وليس صناعاتها أو اعتزازها بأصلها العرقي.