محمد خالد الخضير
مدير عام تطوير الأعمال بجامعة اليمامة
TT

دراما ردات الفعل على اكتتاب أرامكو

تناول عددٌ من وسائل الإعلام في الأيام الماضية، نقلاً عن (رويترز)، خبرًا عن نية إلغاء الطرح الأولي العام لشركة أرامكو، لكن وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية رئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية المهندس خالد الفالح، ما لبث أن أصدر بيانًا ينفي فيه صحة ذلك الخبر، ويؤكد استمرار الالتزام بالطرح الأولي العام لأرامكو السعودية وفق الظروف الملائمة، وفي الوقت المناسب الذي تختاره الحكومة.
وفي غضون ذلك، تزايد حجم التساؤلات "الدرامية" عن دور هذه الخطوة في تحقيق مستهدفات الاقتصاد السعودي تجسيدًا لرؤية الوطن 2030، بالإضافة إلى تركيز بعض وسائل الإعلام العالمية – المتخصصة منها للأسف - على الطرح ذاته دون تسليط الضوء على الأهم، وهي مستهدفات الطرح.
باختصار، لم ولن تكون عملية طرح "أرامكو" في الأسواق المالية غايةً بحد ذاتها، إنما وسيلةً لتحقيق أهداف محددة، وضّحها بدقّة عرّابُ الرؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية عبر اللقاء التلفزيوني مع الإعلامي تركي الدخيل عام 2016. وعبر هذا المقال، سأقوم بتسليط الضوء على الأهداف التي حددها سمو الأمير من طرح أرامكو، ومدى التقدم المحقق فيها، وقابلية تحقيقها عبر بدائلِ الطرح.
ثلاثة أهداف حددها سمو الأمير جراء طرح جزء من شركة أرامكو للاكتتاب، أولها: تحقيق الشفافية اللازمة لكيان ضخم كأرامكو. ثانيها: مضاعفة حجم السوق السعودي. ثالثها: التحول من النفط إلى الاستثمار بوصفه مصدر دخل واعدا للحكومة.
لذا، يتبيّن أن قرار طرح "أرامكو" ليس إلا وسيلة لتحقيق أهداف محددة كالأهداف الثلاثة أعلاه. وفي هذا السياق، لعلي هنا أطرح سؤالًا مهماً ألا وهو: هل يمكن لأرامكو، أو صندوق الاستثمارات العامة تحقيق تلك الأهداف الثلاثة من خلال بدائل أخرى عن الطرح؟ باعتقادي الشخصي نعم؛ ولنأخذ تلك الأهداف الثلاثة واحدًا تلو الآخر.

أولاً: الشفافية
استهل سمو الأمير محمد بن سلمان حديثه عبر اللقاء التلفزيوني مع تركي الدخيل بالإشارة إلى أن شركة ضخمة كأرامكو لا يجب أن تستمر على وضعها الحالي، كأنها تُدارُ بطريقة شركة ذات مسؤولية محدودة، وهو الأمر الخطير جدًا بحسب تعبير سمو الأمير. فخروج أرامكو من إطارها المنغلق إلى إطار أكثر انفتاحا أصبح ضروريا فيما يتعلق بالإفصاحات والحوكمة وعرض النتائج المالية للمحللين والعامة؛ الأمر الذي سيزيدها قوّة وتنافسية تضمن استمرار نموها. لذا، فخيار الشفافية يبقى دائماً في متناول اليد دائماً سواء طُرِحت "أرامكو" أم لم تُطرَح. ما يُهم فعليا في تحقيق هذا الهدف هو تطوير الأنظمة واللوائح الداخلية ومواءمة القوائم المالية لتتوافق مع متطلبات الأسواق المالية، الأمر الذي تم بالفعل بحسب معالي وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المهندس خالد بن عبد العزيز الفالح. ناهيك من البوادر التي شهدناها هذا العام في ما يتعلق بالشفافية، عندما نشرت (بلومبيرغ) تقارير الأداء المالي لشركة أرامكو ومقارنتها بقريناتها شركات النفط العالمية في منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي، ما يدل على أن هدف الشفافية في طور التحقيق، إن لم يكن قد تحقق بالفعل.

ثانياً: مضاعفة حجم السوق السعودي
جاء السبب الثاني لأهمية طرح جزء من "أرامكو" لمضاعفة حجم السوق السعودي. واستطرد سمو الأمير محمد بن سلمان في حديثه عن هذا الجانب أن طرح أرامكو الأم سيقود موجة ثانية من الطرح من خلال طرح الشركات التابعة لأرامكو في السوق والذي من شأنه إعطاء حجم أكبر للسوق السعودي. ويتبيّن هنا أهمية الطرح في استقطاب الأموال الأجنبية إلى السوق السعودي، سواء لشراء "أرامكو" أم غيرها. لذا، ما يهم هنا ليس طرح "أرامكو" من عدمه، بل تأسيس بنية تنظيمية تؤهل الأسواق المالية السعودية لاستقبال الاستثمارات الأجنبية، وهذا ما تم بالفعل. فنجد أن الحزمة الواسعة من الإصلاحات في الأسواق المالية أثمرت عن إدراج السوق السعودي في مؤشر MCSI للأسواق الناشئة قبل شهرين، بعد خطوة مشابهة من قبل مؤشر FTSE Russel مطلع العام الحالي. الأمر الذي أتاح للمستثمر الأجنبي الوصول بشكل مباشر إلى الشركات المدرجة في سوق المال السعودي.

ثالثاً: التحول من النفط إلى الاستثمار
يسعى الهدف الثالث من قرار طرح شركة أرامكو إلى الانتقال من النفط بوصفه مصدر دخل رئيسيا للمملكة إلى الاستثمار، بحيث تدرّ المحفظة الاستثمارية المتمثلة في صندوق الاستثمارات العامة دخلاً للحكومة من أرباح شركة أرامكو وغيرها من الاستثمارات. وبطبيعة الحال يأتي ذلك من خلال استخدام متحصلات الطرح للدخول في فرص جديدة، بالإضافة إلى ضخ رؤوس الأموال في قطاعات صناعية واعدة طويلة الأمد كقطاع التعدين؛ والذي بحسب سمو الأمير لم يستغل إلا 3% منه الى اليوم. فهل من سبل أخرى غير الطرح كفيلة بتوفير السيولة اللازمة لتحقيق هذا الهدف؟ نعم؛ الاقتراض. هل من خطوات اتخدتها "أرامكو" في هذا الجانب؟ نعم؛ مباحثات شراء حصة في "سابك" والعائدة ملكيتها إلى صندوق الاستثمارات العامة. فشراء "أرامكو" حصة الصندوق في "سابك" يتطلب اقتراض مبلغ قدره 70 مليار دولار تقريباً. والذي سيتم غالبا من خلال تمويل دين خارجي، قد يكون على صورة سندات أو قروض. الأمر الذي سيتيح لصندوق الاستثمارات العامة استثمار تلك المبالغ في تحفيز القطاعات المستهدفة داخل المملكة أو استثمارها في الخارج. والذي بطبيعة الحال سيسهم في تحقيق هدف التحول إلى الاستثمار كمصدر دخل رئيس للحكومة.
ختاماً، بلا شك إن اكتتاب "أرامكو" سيكون "استثنائياً"، ولكن ما يعنينا فعلياً كأفراد ومؤسسات في وطننا الغالي هو أهداف الطرح التي بني عليها القرار من الأساس. والتي نشهد اليوم تقدماً "استثنائياً" في تحقيقها ضمن فترة قياسية بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وعمل الفريق المتكامل معه في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.