شذى الجبوري
صحافية عراقية عملت سنوات في بغداد ولندن والآن تغطي الشأن السوري
TT

بين جولي والساهر

عاتبني أصدقاء على مدونة سابقة أشدت فيها بالغرب والتكافل الاجتماعي هناك، وشغفه بمساعدة الآخرين مهما كانت جنسياتهم، عادين أن في الأمر إجحافا بحق مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأن مساعدة الفقراء وجمع التبرعات ليس مقصورا على الغرب.
هذا صحيح إلى حد ما، لكنني ما زلت على رأيي بأن الغرب أكثر شعورا بالمسؤولية منا في هذا المجال. ولإيضاح الفكرة أكثر، لنعقد مقارنة بسيطة ومشروعة بين نجمة هوليوود أنجلينا جولي والمطرب العراقي الكبير كاظم الساهر. ووجه الشبه بينهما أن كليهما اختارته الأمم المتحدة سفيرا للنوايا الحسنة.
الأمم المتحدة، لمن لا يعرف، تسمي بين الحين والآخر سفراء تختارهم في العادة من نجوم الفن أو الرياضة كي يسلطوا الضوء على ضحايا الحروب والنزاعات من لاجئين ونازحين وجياع في أنحاء العالم وتنظم لهم زيارات للقاء هؤلاء الضحايا. تساءلت في مدونتي السابقة لماذا تختار النجمة أنجلينا جولي ترك أضواء هوليوود وصخبها لتذهب إلى أفريقيا أو باكستان أو العراق الذي زارته ثلاث مرات على الأقل منذ عام 2009.
وحتى تلتقي جولي أرامل وأيتام العراق ونازحيه تركب طائرة من محل إقامتها في مدينة لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا الأميركية، في رحلة تستغرقها على الأقل 18 ساعة تقطعها في دولة أوروبية أو في العاصمة الأردنية عمان أو في أنقرة ومنها إلى العراق، الذي ربما سمعت به لأول مرة في حياتها بعد غزو الكويت عام 1990. تضع النجمة الحسناء إيشاربا على رأسها وتذهب مرة إلى محافظة الأنبار، واحدة من أخطر مناطق العراق، ومرة إلى منطقة الجكوك في بغداد ومرة إلى إقليم كردستان العراق للاطلاع على أوضاع اللاجئين السوريين في مخيم دوميز. تجلس مع هؤلاء على الأرض وتصغي إلى همومهم ثم تطلق نداء لحل مشكلاتهم. هذا ناهيك برحلاتها إلى دول منكوبة أخرى دول كلل أو تعب تلتقي المعذبين على وجه البسيطة لا لغايات مادية أو لإضفاء مزيد من البريق على نجوميتها، بل كي تحقق غرض المنظمات الدولية وجذب انتباه العالم إلى هؤلاء المنسيين.
المطرب كاظم الساهر، نجم كبير في سماء الغناء العربي، وفنان رصين وملتزم ويحترم فنه وجمهوره، وهذا أمر لا غبار عليه ولا شك فيه، وليس محلا للنقاش هنا. ولهذه الأسباب وغيرها اختارته منظمة اليونيسيف للطفولة التابعة للأمم المتحدة سفيرها للنوايا الحسنة في مايو (أيار) 2011. وصل حينها إلى بغداد بعد غياب دام 13 عاما، وذهب مباشرة إلى المنطقة الخضراء المحصنة وهناك عقد مؤتمرا صحافيا وأطلق أغنية للأطفال.
الساهر يتنقل في العادة بين القاهرة ودبي، وأي رحله بالطائرة من هاتين المدينتين إلى بلده العراق لا تستغرق أكثر من ثلاث ساعات. لكن هل عاد إلى بغداد منذ ذلك الحين؟ هل زار مدينة الثورة (الصدر حاليا) والتقى أطفالها؟ هل ذهب، على الأقل، إلى منطقة الحرية، ذلك الحي الشعبي الذي نشأ وترعرع فيه؟ هل التقى أهالي الحي واستمع إليهم وإلى معاناتهم وشكواهم وهو الأقرب إلى فهمهم دون الحاجة إلى وسيط، أي مترجم، كما في حالة جولي؟ الجواب ببساطة: لا، لم يذهب. فقدمه لم تطأ أرض العراق منذ ذلك المؤتمر الصحافي في المنطقة الخضراء قبل أكثر من عامين.
هذا هو الفرق بيننا وبينهم..
كاظم الساهر بالتأكيد سفير الأغنية العراقية، لكنه حتما ليس سفيرا للفقراء، مثل جولي.