أرى، من وجهة نظري الشخصية، أن انعدام الكفاءة، وعشوائية الأخطاء، والإفراط في التعقيد، هي من أبرز مفسرات العثرات والوقائع الغريبة التي تجري في عالمنا المعاصر، وأنه لا يجدر بنا القفز بكل سهولة إلى تفسير كل شيء بنظرية المؤامرة. وإنني على يقين من أن نيل أرمسترونغ قد خطا بقدميه على سطح القمر، وما زلت أميل للاعتقاد (رغم عدم يقيني من ذلك) أن لي هارفي أوزوالد كان يتحرك منفرداً في حادثة اغتيال جون كيندي، وأن أقصوصة الرجل ذي القدم الكبيرة (بيغ فوت) ليست إلا محض هراء، وليس هناك ما يُعرف بالكائنات الفضائية الزائرة لكوكب الأرض وسكانه من البشر.
طرحت ذلك التساؤل مؤخراً مع عدد قليل من الأصدقاء: ما نظرية المؤامرة الأكثر استخفافاً واستهانة؟ حتى وإن ظننت أن فرضيات المؤامرة من المرجح لها أن تكون كاذبة بالكلية، فما الفرضية الأكثر معقولية بين هذه الفرضيات - التي هي على أقل تقدير تتصل بالاحتمالات المعنية لأهل الفكر والثقافة والتيار الإعلامي السائد.
لاستشراف زاوية التحقيق في هذا الأمر، ربما تتساءل عن مدى الشهادات غير المحتملة والصادرة عن شهود عيان يمنحونك كل الدلالات الكافية لأن يكونوا أناساً عاديين. وإذا وجدت أن بعض هذه الشهادات تحمل قدراً من العقلانية، فربما تظن أن هناك فرصة معقولة لصحة روايات الأجسام الطائرة المجهولة (ربما بقدر من التغطية المستندة إلى فرضيات المؤامرة). وكانت هناك مجموعة لا بأس بها من الروايات ذات الصلة لزيارات تلك الأجسام إلى كوكب الأرض، ومن أبرزها قصة بيتي وبارني هيل.
ولسوء حظ هذه الروايات، فإن الأبحاث النفسية المعنية بالخداع الذاتي والأدبيات المستندة إلى انعدام موثوقية روايات شهود العيان، تشير إلى أن عقولنا قد تأخذنا على طريق تصديق جميع الأمور التي نعتقد بوقوعها، في حين أنه لا أصل لها في الواقع. ولذا، فإن روايات شهود العيان ليس لها تأثير كبير على معتقداتي. كما أنني لاحظت أن مزاعم الأجسام الطائرة المجهولة قد انخفضت كثيراً منذ ظهور الهواتف الجوالة والكاميرات الملحقة بها. وبالتالي، يجب علي البحث في مجال آخر عن أكثر نظريات المؤامرة معقولية. ولقد برزت حكايات الرجل ذي القدم الكبيرة (بيغ فوت) ورجل الثلج المقيت (يتي) لأسباب مماثلة، ولا أعتقد أن أحداً بالفعل قد شاهد إلفيس بريسلي (المتوفى عام 1977) أو جيم موريسون (المتوفى عام 1971) يسيران بيننا في تسعينات القرن الماضي.
ومن المسارات الأخرى في البحث عن المؤامرات الحقيقية هي التفتيش بين خبايا التاريخ عن اعترافات ما قبل الوفاة. هل تقدم أي عميل كوبي أو سوفياتي أسبق، قبل وفاته بلحظات وجيزة، بإفادة تثبت معرفتهم بالقصة الحقيقية لاغتيال الرئيس الأسبق جون كيندي؟ وبقدر معرفتي واطلاعي، فإن مثل هذه الاعترافات يصعب كثيراً الإدلاء بها. وهي من الأسباب الأخرى التي تؤيد عدم تصديق أغلب نظريات المؤامرة السائدة.
هناك مجموعة أخرى من الروايات تزعم بأن حفنة شبه سرية من الشخصيات تسيطر على العالم، مثالاً بما يُعرف باللجنة الثلاثية التي كان يُعتقد بأنها كذلك. بيد أن الزوايا الأكثر معقولية لهذه الآراء تُعنى بحفنة من الأثرياء، ذوي العلاقات القوية، والنفوذ الهائل. وهذا لا يمكن اعتباره سراً خفياً بحال. وليست هناك فائدة مقبولة من التأكيد على أن احتفالية صوفية خاصة تنعقد في عطلة نهاية الأسبوع في مكان ما تُتخذ خلالها قرارات فعلية تتعلق بأحوال العالم.
إذن، ما الذي أظن أنه من بين نظريات المؤامرة الأكثر احتمالاً والأكثر استخفافاً؟
نعلم وفي جميع الأوقات أن التداولات الداخلية والفساد المالي واسع الانتشار للغاية. كما نعلم أيضاً كم عدد الرياضيين الذين كانوا على استعداد لتناول المنشطات وغيرها من العقاقير المعززة للأداء، حتى وإن كان ذلك في انتهاك واضح وصريح للقواعد المعمول بها. وذاعت سمعة باري بوندس وروجر كليمنس، وهما من أعظم ممارسي رياضة البيسبول في عصرهما، بأنهما من أبرز منتهكي قواعد تناول العقاقير الرياضية المنشطة.
فهل التلاعب في الفعاليات الرياضية من القصص المعقدة؟ كلا. وهل وراءها دوافع واضحة؟ أجل.
والآن، دعوني أعاود الاستماع إلى بعض من أغاني بول مكارتني، لأنه لا يزال على قيد الحياة حتى الآن!
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
9:32 دقيقه
TT
اختبار نظرية المؤامرة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
