لم يكن العراق معروفاً بهذا الاسم عندما دخل الإنجليز البلد خلال الحرب العظمى. كان العثمانيون قد قسموه إلى ثلاثة أقسام؛ ولاية الموصل ثم ولاية بغداد وأخيراً ولاية البصرة في الجنوب. وسماه الإنجليز بالاسم الذي أطلقه عليه الإغريق القدماء وهو مسوبوتيميا، أي بلاد ما بين النهرين. ولكن باندلاع الحركة الوطنية للحصول على الاستقلال، عمد الوطنيون إلى استرجاع الاسم الذي أطلقه العرب على هذه المنطقة من عالم العرب، وهو العراق. الواقع أن العرب كانت تطلق عليه أيضاً اسم أرض السواد. ولكن الظاهر أن الوطنيين لم يستحبوا هذا اللون اسماً لبلدهم فاكتفوا بالعراق. كانت هناك عدة آراء في أصل الاسم. وتفادياً لتشويش القراء، ولئلا أسبب أي وجع دماغ أكتفي بما أورده قاموس «محيط المحيط» في هذا الشأن. قال:
«بلاد العراق من عبادان إلى الموصل طولاً ومن القادسية إلى حلوان عرضاً. مؤنث ويذكر. سميت بهذا الاسم لنواشج عراق النخيل والشجر فيها. أو لأنه استكشف أرض العرب، أو سمي بعراق المزادة لجلدة تجعل على ملتقى طرفي الجلد إذا خزر أسفلها لأن العراق بين الريف والبر، أو لأنه على عراق دجلة والفرات، أي شاطئهما، أو معربة إيران شهر، ومعناه كثرة النخل والشجر. والعراقان الكوفة والبصرة».
فهمنا؟ أرجو بهذه الكلمات البسيطة الواضحة، ألا أكون قد شوشت القارئ وأصبته بأي وجع رأس! غير أن من الواضح أنه صعب على العراقيين حتى الاتفاق على أصل اسم بلدهم. المهم أن العراق كان اسماً شائعاً بين العرب. ورد في كثير من الأشعار والأقوال. ومنها ما قاله المتنبي:
لتعلم مصر ومن في العراق
ومن بالعواصم أني الفتى
وإني وفيت وإني أبيت
وإني عتوت على من عتى
ولا شك أننا نتذكر ما قاله الحجاج عندما تولى ولاية العراق. وخطب بالناس في مسجد الكوفة وقال: «يا أهل العراق». وإذا كان العراقان كما يقول «محيط المحيط» هما البصرة والكوفة، فقد ورد ذكرهما بهذا الإطار في بيت معروف الرصافي الشهير:
يا أهل لندن ما أرضت سياستكم
أهل العراقين لا بدواً ولا حضرا
وقد وجد الكثير من العراقيين صعوبة في لفظ اسم بلدهم بصورة صحيحة. دأب الكثيرون على لفظ العُراق بضم العين، أحياناً من باب الاستخفاف، بدلاً من العِراق بالكسرة، كما ينبغي. كثيراً ما وقع ياسين الهاشمي، رئيس الوزراء في هذا الخطأ. انتقدته المعارضة بأنه لا يعرف حتى كيف يلفظ اسم العراق فيقول عُراق بالضمة بدلاً من الكسرة. ضج النواب بالضحك والهزؤ، ولكنه وقف وقال: «نعم إنني أقول العُراق بالضم وليس بالكسرة، العِراق، لأنني أحرص على رفع عين العراق ولا أريد أن أكسر عين العراق». وضج نواب الحكومة بالتصفيق والهتاف له.
8:37 دقيقه
TT
عين العراق
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة