إميل أمين
كاتب مصري
TT

ترمب... فخاخ على الطريق

هل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ورطة حقيقية؟ غالب الظن أن ذلك كذلك، فما بين بيونغ يانغ وطهران، مروراً بكاراكاس، تتعمق إشكاليات «رجل العقارات» الذي أضحى رئيساً أميركياً.
دونالد ترمب ليس عبارة اعتراضية أو جملة شرطية في مقام الحياة السياسية الأميركية، بل إنه رئيس مختار من قبل جموع الأميركيين الرافضين لحال السياسة الداخلية، وما وصلت إليه من درك سفلي، ووراء هؤلاء وأولئك جماعات تقدر بالملايين من البيض الأنغلو - ساكسون الأميركيين.
لم يكن الحلم في واقع الأمر من نصيب باراك أوباما، بل ترمب، والخلاص من الأوليجاركية الحاكمة في واشنطن هو الهدف، لكنه هدف عصي على أمهر الرماة.
يخيل للمرء أن هناك من يريد إفساد ولاية ترمب الأولى، ويقطع عليه الطريق إلى الثانية، عبر شغله بملفات كارثية يصعب الفكاك منها، داخلياً وخارجياً، وكأنها فخاخ نصبت له خصيصاً.
الحديث عن الأزمة الأميركية - الكورية يتصل اتصالاً جوهرياً بالاستراتيجية الأميركية المعروفة باسم «الاستدارة نحو آسيا»، الصادرة عام 2010، وهي طبعة يمكننا القول إنها منقحة ومصححة لاستراتيجية القرن الأميركي للمحافظين الجدد عام 1997.
باختصار غير مخل، تعنى الأخيرة بقطع الطريق على القوى القطبية الساعية للشراكة في حكم العالم، ذلك ليضحى القرن الحادي والعشرون أميركياً خالصاً لا تشوبه «تعديلية» موسكو، أي التي تحاول تعديل أوضاع الأقطاب إلى ما كانت عليه زمن الحرب الباردة، ولا «قطبية» الصين الساعية في حنكة «صن تزو» أو حكم «كونفوشيوس».
الورطة التي يعيشها ترمب الآن في مواجهته لبيونغ يانغ تبقى أصداؤها تتردد في بقاع وأصقاع أخرى حول العالم، وفي المقدمة منها إيران، بمعنى أنه إذا تراجع ترمب أمام تهديدات كوريا الشمالية، فإنه بذلك يعطي فرصة ذهبية لإيران والإيرانيين للمضي قدماً في تنفيذ بقية برامجهم النووية والصاروخية، عطفاً على بسط نفوذهم ومد سطوتهم إلى المدى الذي تطوله نيران مدافعهم.
البديل الثاني كارثي بامتياز، ذلك أنه حال شعر كيم جونغ أون بالحصار يطوق عنقه، فقد يكون الهروب إلى الأمام هو خياره الوحيد المتبقي، وما لديه معلن عنه من أدوات الشر أقل بكثير مما هو خفي، وأحدث الروايات تحذر من فتى كوريا الذي أعد مسبقاً سفناً تجارية تحمل صواريخ متوسطة وقصيرة المدى تجوب البحار والمحيطات، وقادرة على توجيه إصابات قاتلة لأهداف ومصالح أميركية، بدءاً من القوات الأميركية في كوريا الجنوبية، المقدرة بنحو 28 ألف جندي، مروراً باليابان، الدولة الوحيدة التي قطعت بأن بحيازة بيونغ يانغ رؤوساً نووية ولو صغيرة، وصولاً إلى جزيرة غوام، حاملة الطائرات الأشهر في العسكرية الأميركية الراسية على الأرض وغير السابحة في البحور.
هنا قد يقول قائل إن تصاعد الأحداث لا يمكن أن يصل إلى درجة الصدام المسلح، وهو رأي له وجاهته، لكن الإشكالية تتمثل في أن من يتسنم مقاعد الحكم في البلدين أشخاص من غير الممكن أبداً توقع ردات فعلهم. وعليه، فإن «محامي الشيطان» يفشل في التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه سياقات الأحداث، في ظل حالة الرؤوس الساخنة.
أي سيناريو يمكن لترمب أن يذهب إليه وهو يرى المتربصين به شرقاً وغرباً، وإيران في المقدمة تنظر إلى المشهد الأميركي الملتبس داخلياً وخارجياً، لتدرك أعلى درجة من الاستفادة، وليس أدل على ذلك من إعلان مجلس الشورى الإيراني دعماً يصل إلى نصف مليار دولار لبرنامج الصواريخ الباليستية، عطفاً على تمويلات جديدة لفيلق القدس، الذراع الإيرانية الأكبر والأطول للعمليات الخارجية، التي يرى الأميركيون أنها إرهابية بالدرجة الأولى.
الفخاخ المنصوبة لترمب يكاد المرء يوقن بأنها معدة إعداداً رفيع المستوى، ومن قبل بعض عتاة أركان الدولة الأميركية العميقة، والأمر هنا ليس تهويلاً من باب طروحات المؤامرة، بل أحداث ووقائع دعت ترمب نفسه للتشكك والتشكيك في أقرب مستشاريه، وعقله التكتيكي والاستراتيجي معاً، ونقصد به ستيف بانون، سيما بعد حالة الجفاء البادية بين الاثنين في الأسابيع التي أعقبت تسريبات معلومات متعلقة بمستشار الأمن القومي الجنرال إتش آر ماكماستر.
الارتباك الواضح بدا كذلك أقرب إلى الورطة فيما خص ملف فنزويلا التي تعاني من اضطرابات داخلية، فقد جاءت تصريحات ترمب في شأن إمكانية القيام بعمل عسكري ضد الرئيس نيكولاس مادورو لتلقي بطوق النجاة للأخير، ولتعيد اللحمة والسدى لدول القارة اللاتينية، وقد تكون ردات الفعل هذه السبب الرئيسي وراء تصريحات نائبه مايك بنس بأن الحل السلمي في فنزويلا لا يزال قائماً.
هل يورط ترمب نفسه بسبب قلة خبرته، أم أن هناك من يسعى إلى توريطه، وفي قضايا مصيرية من نوعية المواجهات العنصرية التي جرت بها الأحداث في فيرجينيا الأيام القليلة الماضية؟
قد لا يكون الجواب من السهولة أو اليسر للقطع به، غير أن الأخطر في المشهد هو... «هل يستقيم الشأن العالمي وواشنطن تتخبط هكذا كالفيل في متجر الخزف»؟