حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

إسرائيل ومعارك الشاشة!

في الحروب المفتوحة هناك أسلحة ذكية وأسلحة غير تقليدية تستخدم لتحقيق انتصارات من نوع آخر. ولعل أحد أهم هذه الأسلحة غير التقليدية هو المسلسلات والأفلام الدرامية التي تعرض على الشاشات المختلفة حول العالم. وإسرائيل اليوم تسعى لاستغلال ذلك بشكل فعال ومؤثر. إسرائيل تدرك أن سوق الإنتاج بالعبرية هي سوق محدودة؛ لا يتجاوز متحدثو هذه اللغة التسعة ملايين نسمة حول العالم، وبالتالي هي تلجأ لدبلجة الأعمال التي تنتجها إلى لغات معروفة ومنتشرة، كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية، ولغات غير تقليدية، مثل الهندية والكورية والصينية والبرتغالية.
الآن، تعد إسرائيل العدة لإطلاق فيلم كبير من إنتاجها، باسم «الملاك»، وهو يحكي من وجهة نظر إسرائيلية بحتة الخدمات التي قدمها أشرف مروان «كجاسوس» لإسرائيل، خلال خدمته الطويلة (علماً بأن الرئيس الأسبق حسني مبارك كان قد صرح عقب وفاته بأنه «بطل قومي قام بدور مهم»، وأقام له جنازة رسمية). إلا أن إسرائيل ترغب في تسويق صورة نمطية معينة عن نفسها للعالم بأنها «أذكى» من أعدائها، وهي بالتالي قادرة على اختراقهم دوماً، والإيقاع بهم، وهي دوماً الرسائل المقدمة نفسها في معظم الأعمال الدرامية الإسرائيلية للعالم؛ إنها دولة تسعى للعيش بسلام، وجيرانها إرهابيون يسعون بكل قوة للقضاء عليها. ومن أهم المسلسلات الإسرائيلية التي روّجت لهذه الفكرة مسلسل «سجناء الحرب»، والمسلسل الآخر الذي حظي بنجاح ملحوظ كان مسلسل «الوطن» الذي قدم نموذجاً بشعاً للفلسطينيين والمسلمين.
إسرائيل ترى العوائد الاقتصادية من خلال الترويج والتصدير والتسويق لهذه الأعمال الدرامية حول العالم، حتى بلغت عوائدها في عام 2016 مبلغ 270 مليون دولار، وهو أربعة أضعاف ما كانت عليه عام 2006، وهي تسعي لأن تقدم مادة مشوقة عالمية، وتنجح مثل نجاح الدراما التركية والبرازيلية والمكسيكية والهندية والكورية واليابانية؛ الدراما الإسرائيلية باتت معروفة بالنصوص نفسها تقريباً: بطل من المخابرات الإسرائيلية ينقذ بلاده من إرهابي متشدد يجهز نفسه لتفجيرها وسط الأبرياء، وهي قصة بعد الأحداث الإرهابية حول العالم بات لها قبول دولي وعابر للقارات متوقع ومفهوم.
إسرائيل ستسعى لتطوير الإنتاج الدرامي، ليشمل قصصاً بعيدة عن النزاع العربي - الإسرائيلي، ولإظهار جوانب نجاحها كدولة، فتركز على قوة اقتصادها ونجاح رموزها، عبر سيناريوهات درامية مشوقة؛ كل ذلك لأجل ترسيخ صورة ذهنية عميقة في أذهان الغرب بأن إسرائيل دولة ناجحة وسط دول فاشلة، كما يحب أن يكرر مؤيدوها.
حرب الأفلام والمسلسلات بين العرب وإسرائيل شهدت حراكاً لافتاً في الثمانينات الميلادية، فخرجت أفلام مثل «الصعود إلى الهاوية» و«بئر الخيانة» و«إعدام ميت» و«الطريق إلى إيلات»، ومسلسلات مثل «دموع في عيون وقحة» و«رأفت الهجان»، لشحن الذاكرة العربية بمعنويات إيجابية في المواجهة مع إسرائيل. إسرائيل لديها خطة «توسعية» لاحتلال مساحات جديدة في العقلية الشابة حول العالم، التي تعتمد على الترفيه الرقمي، بعيداً عن التلفزيون التقليدي والسينما المعروفة، فهي ستلجأ للتعاون مع وسائل عرض رقمية، مثل «نتفليكس» و«إتش بي أو»، لضمان الوصول إلى أكبر قاعدة ممكنة من المشاهدين.
إسرائيل بصورة استباقية تحتل مساحات هائلة من الذهنية العالمية في المجال الترفيهي الافتراضي لتكريس الصورة الذهنية لها، فلديها اعتقاد راسخ بأن هذه ساحة ليست بأقل أهمية من ردهات الأمم المتحدة، ولا ساحات القتال. إسرائيل تمكنت من ضبط الإنتاج بشكل اقتصادي جداً، حتى باتت تعرف بأنها الأقل تكلفة والأرخص حول العالم، وبالتالي تضمن العوائد المربحة على عملها الدرامي من الناحية الاقتصادية، وهي استفادت من ثقافة التوفير التي رسختها فيها البنية العسكرية للدولة.
الرسالة التي سيركز عليها العمل الدرامي الإسرائيلي في رسالته باستمرار، بحسب الناقد الإسرائيلي الفني المعروف إيناف تشيف، «أن العالم أصبح غير آمن». ولا يحتاج الإنسان لكثير من الذكاء لمعرفة أين تتجه أصابع الاتهام مع هكذا طرح!