حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

بريطانيا والنازيون الجدد

مقلق جداً ذاك التقرير الذي نشرته مؤخراً «صنداي تايمز» البريطانية الذي يحذر من خطط لاستهداف المسلمين في بريطانيا على أيدي متطرفي جماعات «النازيين الجدد»، وقد ألقت الشرطة مؤخراً القبض على 40 من هؤلاء النازيين يُشتبه في ضلوعهم في مخطط لهجمات إرهابية ضد الجالية المسلمة في أماكن متفرقة في بريطانيا.
وقد ركز النازيون الجدد نشاط خلاياهم في المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة، مثل مقاطعة يوركشاير، وفيها المدن المعروفة ليدز وديوزبري وباتلي وبرادفورد التي يُطلق عليها «برادفورد آباد» بسبب كثافة الأقلية المسلمة فيها وخصوصاً من ذوي الأصول الباكستانية، وكأي جماعة إرهابية إجرامية، فإن النازيين الجدد يترصدون للضحايا من الأقلية المسلمة مؤسسات ومساجد وأفراداً من ممثليها والنشيطين فيها.
ولا بد من التنويه هنا بأن مجموعة النازيين الجدد تختلف عن مجموعة الأفراد الذين يقومون باعتداءات مدفوعة بكراهية المسلمين رداً على الهجمات الإرهابية التي ينفذها متطرفون مسلمون، نعم كلتا المجموعتين يجمعهما كره الأجنبي والمهاجر بغية إلحاق الأذى به وبمؤسساته وأماكن عبادته، لكن الفرق أن النازيين الجدد يتسم نشاطهم الإرهابي وممارستهم للعنف بالممنهج والمنظم، وأما المجموعة الأخرى فعنفهم وإرهابهم عبارة عن ردة فعل آنية حفزتها فورة غضب، فعل وردة فعل، كما أن هناك أيضاً مشتركات ومفترقات بين النازيين الجدد واليمين المتطرف، يجمعهما كره الأجنبي والمتجنس من الأجانب والمهاجر، وكلاهما يرى أن الأجنبي مهدد لثقافة الأبيض وتقاليده وديانته، وما منع النقاب في بعض دول أوروبا وحظر بناء مآذن المساجد في سويسرا وتشديد أنظمة الهجرة وزيادة عدد النواب المنتمين لليمين المتطرف إلا استجابة لنشاطهم المتزايد وشعبيتهم المتنامية.
وتختلف النازية الجديدة عن اليمين المتطرف بأن الأخير يحمل الفكرة، وأما النازيون الجدد فعنفهم وإرهابهم ممنهج ومنظم ومطبق تماماً كالعمل الممنهج للإرهابيين المسلمين، وهو ما أكده مصدر أمني بريطاني لصحيفة «صنداي تايمز»، وتستطيع أن تقول بأن أفضل بيئة لتجنيد النازيين الجدد هم بيئة اليمين المتطرف.
ويحق للأقلية المسلمة في بريطانيا أن يزداد قلقها بعد تصريح المصدر الأمني البريطاني وتوقعه أن تواجه البلاد مستقبلاً مشكلات وهجمات أكثر من النازيين الجدد، إذ تصعب عملية متابعتهم وتحديدهم قياساً بالمتطرفين المسلمين كما يؤكد المصدر الأمني البريطاني، وفي تقديري أن الأقلية المسلمة يجب أن تتجاوز الشعور بالقلق إلى دراسة هذه المتغيرات بعمق ثم تبني استراتيجية نشاطاتها وتواصلها بناء على هذه المتغيرات، ولهم في تجربة الأقليات اليهودية عبرة، فلم تواجه أقلية عرقية أو دينية من العذاب والمعاناة والقتل والتشريد بعد محاكم التفتيش في الأندلس مثل معاناة الأقلية اليهودية في أوروبا وخصوصاً في ألمانيا، وخرجت من كل محنة تلم شتاتها وتعمل بجهد خارق لاستعادة نشاطها الاقتصادي والعلمي والتجاري، وليس ثمة أمر قصرت فيه الأقليات المسلمة ومؤسساتها مثل تقصيرها في بناء الجسور مع فئات المجتمع البريطاني السياسية والاجتماعية والدينية والعسكرية والأمنية.
نعم حتى العسكرية والأمنية، ولمركز التراث الإسلامي البريطاني في مدينة مانشستر الذي أتشرف بعضوية مجلس أمنائه تجربة رائدة في التواصل مع هذين القطاعين المهمين المؤثرين، بلغ ذروته لاتفاق يجري ترتيبه الآن لعمل دورات تدريبية للشرطة البريطانية المحلية حول الأقلية المسلمة؛ معتقداتها الدينية وعاداتها والسبيل إلى محاربة التشدد وتجفيف منابع الإرهاب بأسلوب متوازن يحقق الغرض ولا يخدش المعتقد.
هناك جبل من الأوهام والافتراضات تذوب كما يذوب الجليد في إناء ساخن بمجرد تعزيز هذا التواصل مع شرائح المجتمع المحلي بمختلف تخصصاتها ومناشطها.