علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

لا... للتخطيط

للأسف، في عالمنا العربي لا نخطط لحياتنا، وتسير بنا الأمور كيفما اتفق؛ فإذا برزت لدينا مشكلة حَلَّلناها بردة الفعل، وهذا ينطبق على جميع أمور حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وما يهمنا في هذا المجال هو الشأن الاقتصادي العربي، وسأحاول أن آخذ بعضاً من النماذج العربية، وسأبدأ بوطني السعودية حتى لا أُتهَم بشيء آخر.
قامت شركات الإسمنت السعودية بالتوسع في مصانع الإسمنت، وأنتم أيها الأفاضل تعرفون أن استهلاك الإسمنت غير مرن، بمعنى إذا كنتَ تحتاج إلى عشرة أكياس إسمنت لبناء شيء ما فأنت لن تأخذ أحد عشر كيساً حتى ولو تم التخفيض على سعر كيس الإسمنت، المهم الشركات السعودية توسعت في إنتاج مادة الإسمنت، والحكومة قامت بتأجيل بعض المشاريع وهذا يؤثر أولاً على قطاع المقاولات الذي إذا نشط نَشَطَت معه مبيعات شركات الإسمنت، الحكومة لم تفكر في المشكلات التي ستنتج عن ذلك، رغم ارتفاع أصوات ملاك المصانع ومساهميها بالمناداة بفتح باب التصدير لمادة الإسمنت رغم انخفاض هوامشها الربحية.
أتعلمون ما الذي حصل؟! انخفضت أرباح شركات الإسمنت في السعودية حتى وصل الانخفاض في بعض الشركات 90 في المائة، حتى إن واحدة من أكبر الشركات السعودية المساهمة، وهي اليمامة، لم تربح في الربع الثاني من هذا العام سوى 10 ملايين ريال، هذا من ناحية، وسآتي لهذه الشركات من نواحٍ أخرى.
كانت هذه المصانع تقوم على محاجر في أطراف المدن ومنذ ثلاثين عاماً كانت الصحف تكتب عن خطر هذه المصانع على البيئة وعلى حياة الفرد، وبدأ التراخي في التعامل مع المشكلة حتى أصبحت هذه المصانع في وسط المدن لتجبر على الرحيل قسراً، فقط نفترض لو أن هذه المصانع رُحلت قبل هذا الوقت فهل ستكون تكاليف الرحيل أقل من الآن؟! نعم، ولكنهم أضاعوا الفرصة. مشكلة فائض الإنتاج السعودي أنه لم يحدث للمرة الأولى، بل حدث مطلع التسعينات الميلادية، ومنعت الحكومة تصدير الإسمنت حتى فقدت المصانع السعودية عملاءها في الأسواق. باختصار، التجربة متكررة سواء من حيث الفائض أو من حيث الشح ولم يمض عليها زمن طويل.
لنتحول إلى مصر، التي أصبح لديها للأسف مشكلات في إنتاجها الزراعي وفي بعض ثروتها الحيوانية، والأسماك، ولم يلتزم المزارعون بالمعايير المستخدمة في الزراعة مما زاد نسبة السموم في بعض المنتجات، مثل الفراولة، بالإضافة إلى اتهام دول أخرى ببيع بذور مسممة للمصريين، ما يهم هو أن الوزارات المعنية في مصر لم تتخذ إجراءات سريعة وقوية حتى تم منع الفراولة المصرية من دخول بعض البلدان الأوروبية وبعض البلدان العربية.
التأخر في علاج المشكلة يكلف الاقتصاد غالياً، فحينما يفقد الإسمنت السعودي سوقاً فإن العودة إليها تصبح صعبة، وحينما تتلطخ سمعة فاكهة مصرية فإن العودة إلى سابق عهدها تصبح أمراً صعباً هو الآخر، كلما خططنا لحياتنا الاقتصادية وكلما أسرعنا في علاج مشكلاتنا أصبحنا أكثر فعالية على الساحة الاقتصادية الإقليمية والدولية.