محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

إضمار التعصب والعنصرية!

ليست المشكلة أن نجاهر بعنصريتنا أو تعصبنا؛ لأن القانون وآذان المستمعين سيكونون لنا بالمرصاد، لكن الطامة الكبرى حينما نضمر عنصرية مقيتة، فنبدأ بخبث في تحطيم آمال من نزدريهم. بَعضُنَا يبدد أحلام شخص طموح يتطلع لوظيفة عمره، فيرفضه في سبيل تعيين حسناء لا تفقه شيئاً في أبجديات الوظيفة. وبعضنا يعين أبعد من يكون عن صفات «القوي الأمين»؛ لأنه من أفراد قبيلته أو مذهبه أو فئته.
العلماء كالعادة حملوا عنا عناء التمحيص، فتوصلوا إلى أن ذلك ليس شعوراً وهمياً، بل هناك بالفعل ما يسمى «التحيز الخفي»، أو «implicit bias». وهذا التحيّز نمارسه في كثير من الأحيان من دون أن نشعر. وهذا ما دفع الباحثين قبل عقدين إلى تأسيس اختبار «IAT» الشهير، الذي يقيس بطريقة ذكية مؤشر عنصريتنا، وتستخدمه جامعة «هارفارد» في أحد مشروعاتها البحثية. والأمر ليس مرتبطاً بالعنصرية فقط، بل بسائر أشكال التعصب والتمييز، مثل مقدار التحيّز ضد البدناء، أو الجنس الآخر، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرها.
ويقوم الاختبار على تقديم كلمات إيجابية مثل: ممتاز، عظيم، رائع، وغيرها كثير، وسلبية مثل: كريه أو بغيض أو قبيح، ويعرضها لنا مع صور من بيئتنا أو الإقليم الذي نعيش فيه. فالغرب مثلاً يعرض لهم تلك الكلمات مع صور من فئات مختلفة من الشعب، كالأبيض والأسود وغيرهما، شريطة أن تضغط بسرعة كبيرة على الصور والكلمات بترتيب معين. فتبين أن تلك السرعة تظهر من حيث لا نشعر درجة من درجات تحاملنا أو عنصريتنا؛ كأن نربط كلمة سلبية بعجالة مع شخص لا نشاطره وشائج المودة.
وهذا الاختبار الذي قدمه نحو 19 مليون مشارك وتستخدمه جامعات عدة، رغم تحفظ البعض الآخر على نتائجه، قد كشف أن معشر البشر فيهم مقدار جلي من التحامل والعنصرية والتحيز لفئاتهم.
مشكلة التحيّز أنه بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي لحظة. فهو مثل أسطوانة الغاز التي نملأ بغازها أرجاء الغرفة، فتشعلها أدنى شرارة تقدحها مواقفنا العنصرية.
والتحيز أيضاً إذا جاء من أعلى الهرم الوظيفي فإنه ينتشر بسرعة في المستويات الدنيا؛ لأنها مباركة علوية لسلوك دوني يجر الجميع إلى الهاوية.
نعجب من انتشار التعصب بين اليافعين، وننسى أن معظم جرعاته قد تناولوها على مائدة الطعام وهم يصغون إلى والديهم وهما يزدريان الآخرين.
إحدى طرق مكافحة كافة أشكال التعصب والتمييز بالمؤسسات، أن يتأكد مُتّخِذ القرار أو متلقيه من أنه بُني على قواعد موضوعية أو متماشٍ مع اللوائح. وليس المقصود انتقائية تطبيق اللائحة؛ لأن في ذلك التحيّز بعينه. وكذلك الحال في الدول، حينما تفعّل البلدان القانون ضد فئة مخلصة وصادقة في نقدها، وتتجاهل فئة أخرى أمعنت في التطبيل أو التزلف والتملق، فإنها تُمارس الانحياز الضمني والعنصري. حينها تخلو الساحة من صوت الحكمة لأن قبس الحكمة يتوهج في مناخ الحرية.
البعض يضمر العنصرية، وينسى أن لذلك التعصب رائحة نتنة لا يخطئها من حوله.

[email protected]