د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

الحد الأدنى للأجور

تتناول كثير من وسائل الإعلام موضوع الحد الأدنى للأجور، سواء بالتطبيق بصفته نظاماً جديداً في بعض الدول، أو بتعديل هذا الحد (بزيادة أو نقصان) في الدول الأخرى. ويختلف الاقتصاديون حول مدى فعالية نظام الحد الأدنى من الرواتب، ويزيد هذا الاختلاف عند تحديد الحد الأدنى من الأجور، وتأثير الزيادة أو النقصان في هذا الحد على مستويات البطالة، أو التطور الاقتصادي والفعالية في العمل. وفي حين ينشطر الرأي حيال الحد الأدنى للرواتب بين تأييد واعتراض، يعتمد هذا الانحياز بشكل كبير على الجهة المنتمي إليها، سواء كانت جهة مشرّعة مثل الحكومات أو جهات يطبق عليها النظام مثل الشركات أو الأفراد، أو حتى جهات اقتصادية بحثية.
وعلى مستوى الجهات الحكومية المشرّعة لهذه الأنظمة، تعتمد الحكومات نظام الحد الأدنى للأجور لحماية الطبقة الأضعف في سوق العمل، وهو الهدف الأساسي من هذا النظام. ويهدف نظام الحد الأدنى من الأجور إلى التأكد من أن الحد الأدنى من الدخل الوظيفي يكفي الفرد لتحمل تكاليف المعيشة. ويتفاوت الحد الأدنى للرواتب في كثير من الدول، بحسب المدن أو المناطق، فيختلف هذا الحد في الولايات المتحدة بحسب الولاية. وفي بريطانيا، يتفوق الحد الأدنى للرواتب في لندن عن خارجها. وتستطيع الحكومات الاستفادة من هذا التفاوت بين المناطق لتوجيه الشركات لمناطق مستهدفة، فإذا كان الحد الأدنى للرواتب في منطقة معينة منخفض، فالأغلب أن الشركات ستتوجه إليه لتخفيض تكاليف التشغيل. وهذا ما قد يفسر انتقال كثير من المكاتب الرئيسية للشركات الكبيرة خارج العواصم، وهو ما يوفر للأفراد فرصاً وظيفية خارج إطار العواصم. كما يمكن للحكومات الاعتماد على الحد الأدنى في تحديد الدعم الحكومي المطلوب لبعض البضائع الاستهلاكية. ومنها، تستطيع تحديد سعر عادل لتكاليف الحياة، كتكلفة السكن والمواصلات والتعليم والمواد الغذائية.
وتنتقد كثير من الشركات تطبيق الحد الأدنى من الأجور، أو زيادة هذا الحد في بعض الأحيان، مبررة ذلك بزيادة التكاليف التشغيلية، مما قد يتسبب في الخسارة لكثير من الشركات. ولا شك أن الشركات محقة في هذه النقطة، إلا أن هذه الخسارة يمكن تجاوزها في حال تم تطبيق التغيير (من فرض للنظام أو زيادة للحد الأدنى) على مراحل، وهو ما قد يعطي الشركات الوقت الكافي للتكيّف مع التغيير بشكل تدريجي. والواقع أن الشريحة الكبرى من الشركات الممكن تضررها هي الشركات المعتمدة على اليد العاملة منخفضة الأجر. ففي حين تزيد أجور الطبقة المتوسطة عن الحد الأدنى للأجور بشكل كبير، تقع أجور غالبية العمالة متدنية الرواتب تحت خط الحد الأدنى، وهو ما قد يضع الشركات في موقف حرج في حال اعتمادها الكثيف على اليد العاملة منخفضة الأجر. ويرى بعض الاقتصاديين أن في الحد الأدنى للأجور تصحيحاً اقتصادياً لهذه المؤسسات، وأنها ستتكيف تدريجياً مع هذا النظام، وستوجد حلولاً بديلة لهذه العمالة، سواء بزيادة فعالية الموظفين الموجودين، أو «بأتمتة» المصانع، وتحويلها من مصانع معتمدة على التدخل البشري إلى مصانع تعتمد على الماكينات الأوتوماتيكية.
وعلى مستوى الأفراد، فإن أول ما يتبادر لذهن المواطن مدى تأثير هذا النظام على اليد العاملة الوافدة أو المهاجرة إلى البلد. ويكمن تأثير المهاجرين أو الوافدين على المواطنين في نقطتين: النقطة الأولى هي كثرة العرض من الموظفين الباحثين عن العمل، مما يزيد المنافسة على الوظائف، ويضعف فرصة المواطن في الحصول على وظيفة. والتأثير الثاني هو أن المهاجر قد يرضى بأجر أقل من المواطن، مما يجعل الشركات تفضل توظيف المهاجر أو الوافد براتب أقل. وفي حين يرى البعض أن فرض هذا الحد قد يزيد فرص المواطن بالحصول على العمل، يرى البعض الآخر أن هذا التأثير يختلف بحسب المستوى الوظيفي، والمهارة المتطلبة للعمل. ففي حال كان الوافد يعمل في وظائف دنيا ذات دخل منخفض، ولا تعتمد على المهارة أو الشهادة، فإن فرض الحد الأدنى للأجور لن يغير كثيراً في هذا المستوى الوظيفي، وسيبقى هذا الموظف في وظيفته التي لن يعمل فيها الموظف ذو الشهادة؛ إن كل ما سيحدث أن راتب العمالة سيزيد، دون تغيير حقيقي على مستويات البطالة.
والحد الأدنى للأجور نظام مطبق في كثير من دول العالم المتقدمة، إلا أن التطبيق السريع له دون دراسة للسوق واحتياجاتها قد يكلف الاقتصاد الوطني الكثير. وجزء كبير من هذه الدراسة يعتمد على أخذ رأي الشركات، ومعرفة متطلباتهم. وتستطيع الحكومة بعد ذلك تحديد حدٍ أدنى لهذه الرواتب، بحسب التخصصات. وقد يمكنها ذلك من توجيه التعليم للتخصصات الأكثر احتياجاً، فالأغلب أن توجه التعليم سيكون أكثر كثافة للتخصصات ذات الحد الأدنى المرتفع، وهو ما قد يفيد الدولة على المستوى البعيد. كما يمكن للدول أيضاً الاستفادة من هذا النظام في توجيه الصناعات والقطاعات في البلد بالشكل التي تراه مناسباً، وذلك من خلال فرض حدود دنيا متفاوتة.