محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

أسمع طقطقة

منذ أسابيع وأنا أسمع طقطقة دائمة.
شيء مثل صوت الأخشاب اليابسة وهي تطقطق عندما تحترق، لكن ليس هناك من نار في البيت. فكرت أن يكون الساكن فوقي اشترى واحدة من آلات الجمنيزيوم وهي تصدر صوتاً كلما استخدمها. سألته فقال إنه لم يمارس الرياضة في شبابه ولن يمارسها اليوم وهو في سن السبعين.
هل هي ناتجة عن شخص قرر الامتناع عن تسديد فاتورة الكهرباء واستبدل بها الفحم الحجري؟ أم هي طقطقة قوائم الخيل على أرض صلبة، كما يورد «لسان العرب»؟
لا شيء من هذا ولا ذاك بعدما أدركت سر الطقطقة: هناك «أفلام عربية تكسر الصورة النمطية للغرب تجاه المسلمين» كما جاء في أحد العناوين الكبيرة لمقال في السينما.
الطقطقة ناتجة، إذن، عن عملية كسر للصورة قامت بها أفلام عرضت في مهرجان عربي في عاصمة غربية، ومن دخله خرج وهو يتحسس جسده لعله هو الآخر طق أو أصابه شيء من الكسر.
أتمنى لو أن أفلامنا كسرت شيئاً ما حتى ولو كان صحناً. مثل هذا الفعل يحتاج إلى ما قبله وما بعده لكي ينجح. خصوصاً في هذه الأيام التي تحصّن فيها المشاهد الغربي ضد الأفلام الوطنية والذاتية والمستقلة والبديلة.
كان ذلك ممكناً في سنوات غابرة أيام الفورة الثقافية حول العالم. حين تم عرض فيلم المخرج التونسي «شمس الضباع» في فرنسا في السبعينات شهد نجاحاً متواصلاً لثلاثة أشهر. حالياً، إذا وجد فيلم عربي ما الفرصة للعرض في باريس أو في لندن أو سواهما، فسيكون خارج المعتاد إذا ما استمرت عروضه ثلاثة أسابيع.
الصورة النمطية ليست موجة من صنع السينما، لذلك لا تقدر الأفلام (عربية أو سواها) على كسرها. القناعات الإيجابية أو السلبية الراسخة تجاه ما هو عربي ومسلم تكوّنت من إلمام ومتابعة أحداث ومن شهادات على وقائع الزمن الحالي. يتطلب الأمر إنشاء أكاديمية متخصصة في مكافحة الصورة السلبية عن المسلمين وعن العرب، لكي تنجح في تبديل الصورة الناتجة مما يحدث في بعض دولنا أو فيما يحدث في الغرب من عمليات تخريب للإسلام باسمه.
وهذه الأكاديمية، أو المؤسسة، إذا باشرت عملها اليوم فإن نتائجها لن تتبدّى في غضون سنة أو بضعة أعوام. صعب خلع قناعات الإنسان المعاصر، بينما يقع أمام عتبة بيته ما يؤكدها. كذلك صعب على الأفلام، سواء عرضت منفردة أو مجتمعة، تغيير هذه القناعات؛ لأنها تبقى جزءاً من واقع يواجهه جزء أكبر وأكثر خطورة.
لكنها عاداتنا الصحافية، خصوصاً في المجال الثقافي، تكبير الصور التعبيرية وحشد الكلمات الرنانة، والإتيان بأفعال مثل كسر وحطم ودمر، أو بمحتويات مثل «فيلم يُثير قضايا» و«يعكس طروحات خطيرة»، كما لو أن المهم في الفيلم هو القضية التي يثيرها، إذا كانت موجودة، أو المرآة التي يحملها لكي تعكس «طروحات خطيرة».
مثل هذه العناوين تواجهنا اليوم كما لو كانت منقولة من كتاب واحد. فجأة الحضور العربي في «كان» مبهر (وهو لم يكن) و«هوليوود تستعين بنجوم السينما العربية» (كذبة)، و«السينما العربية تتألق بين الواقع والطموحات» (وهي ما زالت عالقة بينهما منذ عقود). إنها طقطقة بالفعل لكنها من النوع الذي لا نتاج منه.