خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

ثانكيو

لا هوس عند الإنجليز أكثر من هوسهم بكلمة أشكرك «ثانكيو» Thank you، وهم يستعملونها لشتى الأغراض، حسب طريقة لفظها وتصويتها. فمثلاً، أتذكر منذ وصولي لأول مرة في محطة فيكتوريا في لندن، عندما كانت تغص بالحمالين (وكان المسافر المحترم يستنكف من حمل عفشه وشنطته بنفسه) أن الحمالين كانوا ينادون طوال تحركهم كلمة «ثانكيو»... ثانكيو... ثانكيو. وقد استغربت في بادئ الأمر من ذلك. لمن يقولون هذه الكلمة ويعيدون ترديدها؟ لم أجد أي أحد قدم لهم أي خدمة ليشكروه على خدمته أو كرمه. فلماذا يصرخون «أشكرك» ولمن؟ ولكنني بعد سنين من الحياة في بريطانيا اكتشفت السر. كانوا يستعملونها بشتى الصور، بصيغة السؤال: «هل تريدني أن أحمل لك شنطتك يا سيدي؟» أو بصيغة التحذير للواقفين: «أفسحوا لي المجال». أو بصيغة الإقرار لجامع التذاكر: «أنا حمال. اسمح لي» وهكذا.
الواقع أن الجاهل باللغة الإنجليزية لا يحتاج لأكثر من كلمة أشكرك، ليعبر عن شتى حاجاته، وشتى مشاعره من المغازلة إلى المداعبة، ومن المداعبة إلى المعاتبة، وإلى المتاجرة والمخادعة. كل ما عليه هو أن يتعلم كيف يقولها، وبأي نغمة ينطق بها. ويظهر أن مستشاري الملكة إليزابيث استدركوا هذا الأمر، فاقترحوا عليها أن تستعمل كلمة «شكراً» عند سفرها إلى منطقة الخليج قبل سنوات. فتعلمت الكلمة. كان بين الصحافيين الذين صاحبوها زميلنا الإذاعي فؤاد الجميعي، رحمه الله. وبعينيها المتيقظتين، لمحت هذا الرجل الأسمراني الغريب بين كل هؤلاء الصحافيين العالميين، ذوي العيون الزرقاء والخضراء. فانتهزت أول فرصة وسألته: «وأنت من أي بلد؟»، فقال لها أنا من مصر. فابتسمت وقالت له: «أنا أعرف كلمة واحدة من لغة بلادك العربية... كلمة أشكرك».
وبطرافته المصرية الأصيلة، بادر زميلنا فواد الجميعي إلى تصحيح ملكة بريطانيا العظمى فقال لها: «يا صاحبة الجلالة، الحقيقة أنك تعرفين ثلاث كلمات باللغة العربية وليس واحدة فقط. فكلمة أشكرك تتكون من ثلاث كلمات بالإنجليزية I thank you. فهذه ثلاث كلمات يا صاحبة الجلالة». فضحكت الملكة إليزابيث، وقالت له: «يا خسارة! أعرف ثلاث كلمات باللغة العربية، وأنا كل حياتي كنت أتصور أنني أعرف كلمة واحدة».
ثم أردفت وأضافت: «أشكرك» على تصحيحي. وهكذا كان الأمر. فلولا كلمة أشكرك لما جرى هذا التناظر الحواري الجميل بين الظرف المصري الصحافي، والظرف الإنجليزي الملكي.