لأنّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب صافح صنوه الروسي فلاديمير بوتين في قمة العشرين في هامبورغ، الأسبوع الماضي، بعد أشهر من الجفاء «الرسمي» بينهما، اعتبر الكثير من المراقبين السياسيين أنّ صفحة جديدة فتحت في سجل العلاقات الأميركية - الروسية، فيما توقع محلّلون آخرون أن يساعد لقاء هامبورغ في تسريع التسوية السورية.
لا جدال في أنّ مصافحة هامبورغ كسرت جليد العلاقات الشخصية بين ترمب وبوتين، ولكن في عالم الدبلوماسية، لا مجال لتسويات تنطلق من قاعدة «عفا الله عمّا مضى»، فبين موسكو وواشنطن ما صنع الحدّاد... وشبه جزيرة القرم والعقوبات الاقتصادية التي تحاشى الرئيسان الخوض بموضوعها.
هذا على الصعيد الأميركي - الروسي الثنائي، أمّا على الصعيد العربي، فيبدو أنّ المعطيات الدولية المستجدة باتت تبرّر التحسب من أي تقارب أميركي - روسي في عهد الرئيسين المغامرين، دونالد ترمب وفلاديمير بوتين.
اليوم، إن اختلفا... فتلك مصيبة لأمة العرب.
وإن اتفقا... فالمصيبة أعظم.
تلك هي حال أمة العرب مع الدولتين العظميين في عالم اليوم.
اختلفتا في نظرتهما للنزاع السوري فأطالتا عمر النزاع الدموي أكثر من ست سنوات.
اتفقتا على إقامة مناطق «فض تصعيد» تمهيداً لوقف إطلاق النار، فكانت أولى المناطق المتفق عليها، بلا منازع، جنوب غربي سوريا، أي المناطق التي قد تعرّض أمن إسرائيل للتهديد من استمرار الحرب في سوريا.
في الشرق الأوسط، كتب القتال والقتل على العرب وعلى إسرائيل جمع الأضداد.
لكل من يتعلق «بحبال الهواء» في تطلعه إلى وقف للسفك العشوائي للدم السوري، يبدو اقتراح مناطق «وقف التصعيد»، خطوة في الاتجاه الصحيح نحو هدنة شاملة في سوريا.
ولكن لكل من يقرأ بين السطور ويعرف التركيبة الديموغرافية للمناطق المقترحة، يشعر أنّ مخطط الهدنة المقسطة هو البداية «الإنسانية» لمشروع تقسيم سوريا، بالتقسيط أيضاً، إلى مناطق نفوذ «لرعاة» الاستمرار العبثي لحروبها، واستطراداً إلى قيام كانتونات إثنية أو مذهبية على أرض ما كان يوماً دولة عربية تتغنى بمحوريتها في المنطقة.
رغم هذا الواقع المحبط، كان يمكن تغذية أمل ما بجدوى اقتراح «مناطق وقف التصعيد» لو أنّ الدولتين العظميين ألحقته «بخريطة طريق» للتسوية المقترحة للنزاع السوري أو، على الأقل، بموقف علني موحد من مستقبل النظام.
في غياب هذه وتلك، من يستطيع أن يجزم بأن موسكو وواشنطن بلغتا مرحلة القناعة بأنّ التسوية النهائية للنزاع السوري قد استحق أوانها؟
إذا كان ثمة إيجابية للقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في قمة العشرين، فقد تكون فتح باب التعاون بينهما في الملف السوري ضمن معطيات يفرضها واقع ميزان القوى الراهن بين الدولتين والإنجازات «العسكرية» على أرض المعركة.
انطلاقاً من هذه الخلفية وبعد تأمين الولايات المتحدة أكثر من موطئ قدم واحد داخل الأراضي السورية، حصلت واشنطن من موسكو على إقرار واضح بأن لا تسوية سياسية (وحتى أمنية) في سوريا من دون مشاركة واشنطن ومباركتها لها، فيما انتزعت موسكو من واشنطن موافقة ضمنية على لعب دور «الشريك»، لا «المنافس» الدولي، في القرار الشرق أوسطي، وهو أقصى ما يطمح إليه الرئيس بوتين في الوقت الحاضر على اعتبار أنّ منافسة الولايات المتحدة على النفوذ في المنطقة يستوجب تحمّل مسؤوليات الزّعامة الدولية كاملة، بما فيها التكلفة الباهظة لإعادة إعمار سوريا... وهنا تكمن الضمانة الفعلية لتسوية «لا تقتل الناطور ولا تفني الغنم».
8:2 دقيقه
TT
نظرة فابتسامة فسلام... في هامبورغ
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة