حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

سقط «داعش» ولم تسقط الفكرة

سيسقط «داعش» في العراق وسوريا كما سقطت «القاعدة» في أفغانستان، وستبقى فكرة «داعش» كما استمرت فكرة «القاعدة»، وستطير جراثيم «داعش» نحو كل صوب وحدب، كما طارت جرثومة «القاعدة» من أفغانستان للعراق وسوريا ثم انتقلت لجميع أرجاء كوكبنا الأرضي.
جرثومة التشدد مادة لطيفة غير مرئية تماماً مثل الوباء، تعبر القارات وتتجاوز البحار والمحيطات، وتسخر بنقاط التفتيش الأمنية في المطارات، وتستهزئ بالحدود الدولية والمراقبة الإلكترونية، وتمتطي دابة النت وتركب راحلة التواصل الاجتماعي، وتغرس براثنها في الضحايا كمسدس كاتم للصوت لا يسمعه حتى من هو في الغرفة المجاورة.
نشوة العبادي وهو يدخل الموصل دخول الظافر المنتصر على «داعش» تشبه نشوة أوباما وهو يتباهى بقتل أسامة بن لادن، وليت الأول يدرك أن أميركا بقضها وقضيضها وأساطيلها وقوتها النووية وعددها وعتادها ومراكز أبحاثها وملياراتها هزمت «القاعدة» ولم تهزم فكرتها، بل خرجت من أفغانستان وهي لم تؤسس لها دولة فيها وإنما متحالفة مع طالبان، لتنتقل فكرة الإرهاب للعراق وسوريا وتؤسس لها دولة، بغض النظر عن الجهات المستفيدة محلياً وإقليمياً وعالمياً.
وتكمن خطورة الدواعش من مناح عدة؛ فبعضهم سيتسلل مع الهاربين وهذا ليس صعباً تعقبه والإمساك به، الخطورة في البعض الذي أصابته عدوى التشدد الداعشي وهو بلا سوابق في التدين ناهيك عن تبني فكر الغلو والتشدد، فبعض الذين نفذوا جرائم إرهابية تفجيرية أو اغتيالات في الدول العربية والغربية هم بلا سوابق ولا توجد لهم أصلاً ملفات لدى الجهات الأمنية.
ولهذا فالعالم بانتظار موجة إرهاب جديدة بسقوط «داعش» وكل الفصائل التي تدور في فلكها، والخطير أن لدى فصائل التشدد الإرهابية قدرة مذهلة على استخدام واستغلال التقنية والنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وعليه فلا بد أن تؤخذ هذه في الحسبان في مكافحة انتشارها وتمددها.
كما أن عملية مكافحة فلول «داعش» ومن دار في فلكها بعد أن كرت سبحة هزائمها، تحتاج إلى قدر كبير من الصدق والموضوعية والشجاعة والشفافية، فالتشخيص الخطأ يقود إلى نتائج خاطئة، وهذا ما حصل بالفعل مع الأسف، فعلى الرغم من أن حرباً عالمية شنت على الإرهاب وحركاته وفصائله فإن مد الحركات الإرهابية في صعود، بل توجته بتأسيس ما سمته دولة لها ودربت خلال الثلاث سنوات التي حكمتها آلاف الكوادر وعدداً كبيراً من الخلايا النائمة التي يوقظها قادتها في المكان والوقت المناسبين.
فالسؤال الذي يجب على الدول العربية والغربية وكذلك المفكرين وأصحاب الرأي طرحه هو: لماذا يوجد تناسب طردي في مكافحة الإرهاب فيرتفع مؤشر الإرهاب كلما ارتفعت وتيرة الحرب عليه؟ مع أن المفروض أن يكون هناك تناسب عكسي. والأمر الآخر الذي يجب الانتباه له في غمرة مكافحة الإرهاب والفكر المتشدد هو ضرورة فصل موضوع الإرهاب عن الصراعات الفكرية والحزبية والمذهبية، إذ من السهولة أن يُرمى الخصم بتهمة الإرهاب إمعاناً في النكاية به والإضرار به وتشويه سمعته، لكن خطورة هذه التهمة إذا لم تنطبق عليه أنها تقود معركة الإرهاب للطريق الخطأ وللتشخيص الخطأ، وهذا ما يفسر زيادة انتشار الإرهاب مع تعزز الحرب الكونية عليه.