وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

لمن يستمر النزاع السوري؟

إلى متى يستمر النزاع السوري كمجموعة حروب متنقلة لم تعد أي منها تجسد قضية سوريا الداخلية بعد أن وأد الإسلام السياسي شعاراتها الوطنية وصادر جبهات معاركها؟
حتى مع التسليم بأن أولوية كل المتدخلين في حروب سوريا هي القضاء على «الإرهاب الدولي»، لم يعد خافياً أن «أجندة» الحرب على الإرهاب تشمل أهدافاً تتجاوز القضاء على «داعش».
على سبيل المثال لا الحصر، يحارب النظام - الذي «توفق» أكثر مما كان يتوقع من بروز «الداعشيين» كألد أعدائه في سوريا - لإنقاذ رأسه من انتفاضة شعبية على الديكتاتورية والمحافظة على ما بقي من «مفيد» في «سوريا المفيدة».
أما روسيا - التي فاتتها مكاسب عصر الاستعمار الأوروبي الذهبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر - فهي تحارب لحماية قواعدها العسكرية في غرب سوريا وتأمين موطئ قدم في الشرق الأوسط يضمن لها موقع الشريك المنافس للولايات المتحدة على الزعامة الدولية.
أما الولايات المتحدة - التي تنوء بحمل أثقال تجاربها العسكرية والسياسية في المنطقة (أفغانستان والعراق) - فهي تحارب «بالوكالة» لوضع حد لتمدد النفوذ الإيراني وتجذر الوجود الروسي بعد أن تأخرت في مواجهتهما في عهد الرئيس باراك أوباما.
أما إيران - التي أتاحت لها نزاعات الشرق الأوسط فرصة «تصدير الثورة» الخمينية - فهي تحارب لبسط النفوذ الفارسي في إطار هلال شيعي خصيب... بالتوترات المذهبية حتى الآن.
أما تركيا - التي لم تنسَ أقلياتها التركمانية في سوريا - فهي تحارب لإحياء ما يمكن إحياؤه من إرثها العثماني الرميم في المنطقة، وفي هذا السياق تطرح نفسها حامية لأهل السنة في وجه منافستها الإقليمية، إيران.
والأكراد - الذين يشكون من توزيعهم الجغرافي على أربع دول في منطقة جبلية مغلقة - يحاربون «بالوكالة» عن الولايات المتحدة علهم يكسبون دعمها لمطلبهم القومي المزمن، الدولة الكردية المستقلة.
عملياً، انتهت حرب «القضية السياسية» في سوريا بعد أشهر معدودة من اندلاعها، لتخلفها حروب دخيلة على المنطق والمنطقة معاً، مما يوحي بأن ثقافة الانتفاضات المطلبية ما زالت بعيدة عن الذهنية العربية - الأمر الذي يفسر فشل ما سمي «الربيع العربي».
في سوريا، كل يغني اليوم على ليلاه ويحارب على هواه بداعي التصدي للإرهاب الداعشي. وعليه، لم تعد الحرب السورية نزاعاً سياسياً داخلياً، بل أشبه بحرب عالمية مصغرة يسعى كل فريق فيها لأن يحقق من مشاركته فيها - المباشرة أو بواسطة الغير معظم الأحيان - مصالحه الذاتية أولاً.
مع ذلك، ورغم أن انتفاضة سوريا المطلبية تحوّلت إلى حرب تكفيرية لا علاقة لها بمشكلات سوريا السياسية، ورغم كثرة اللاعبين - الكبار والصغار - على ساحتها، ورغم الدعوة المتجددة لآستانة أخرى، تبقى سوريا ميدان اختبار ثنائي لنفوذ الدولتين العظميين؛ الولايات المتحدة وروسيا.
من هنا ضرورة التساؤل عن جدوى استمرار الدعوة الروسية لمؤتمر آستانة جديد تشارك فيه الولايات المتحدة بصفة «مراقب» لا يحق له التصويت على قراراته... واستطراداً، استمرار قبول الولايات المتحدة المشاركة في المؤتمر بهذه الصفة فحسب.
واضح أن أمراً ما لم ينضج بعد في سوريا ليمهد الظروف لتفاهم روسي - أميركي على «سايكس - بيكو» جديد في الشرق الأوسط.
قد يكون أحد الأهداف المتوخاة من إطالة النزاع السوري - أميركياً وروسياً معاً - استنزاف اللاعبين الصغار، وخصوصاً تركيا وإيران، تسهيلاً للتسوية الروسية - الأميركية المرتقبة. ولكن إذا كان بمقدور اللاعبين الرئيسيين؛ الولايات المتحدة وروسيا، المراهنة على الوقت، فإن عامل الزمن يبدو مواتياً للولايات المتحدة بعد أن سجلت نصراً مبيناً على الإرهاب «الداعشي» في العراق، وبعد أن عززت وجودها العسكري في خمس قواعد داخل الأراضي السورية دون معارضة تذكر من روسيا... وربما بتفاهم مسبق معها.