د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

نهاية أشهر العسل بين أميركا والصين

استبشر الشارع الاقتصادي حول العالم بلقاء الرئيسين الأميركي والصيني قبل ثلاثة أشهر، ورأى الكثير منهم بأن هذا اللقاء هو بداية الوفاق بين دولتين يشكل حجم التبادل التجاري بينهم أكثر من 40 في المائة من التبادل التجاري في العالم. وبدا للجميع أن العلاقات بدأت فعليا بالتحسن، وبخاصة بعد أن رفعت الصين الحظر التجاري على اللحوم الأميركية، وعادت منتجات اللحوم لتملأ المتاجر والمطاعم الصينية بعد أكثر من 14 عاما من المنع. إلا أن السياسة عادت لتلقي بآثارها السلبية على مشروع المائة اليوم المتفق عليه بين الدولتين، ومهددة بعودة الحرب الاقتصادية بين البلدين.
كانت بداية التوتر السياسي بتصريحات الرئيس الأميركي بأن الصين لا تتجاوب مع التوجه الدولي لمقاطعة كوريا الشمالية، وتدرك الولايات المتحدة أهمية الصين في الحرب الاقتصادية على كوريا الشمالية، حيث تشكل الصين ما يقارب من 90 في المائة من التبادل التجاري لكوريا الشمالية، وتلك حقيقة معروفة لدى الرئيس الأميركي من دون شك. إلا أن الولايات المتحدة قامت باتخاذ قرارين كانا الشرارة لبداية التوتر. القرار الأول كان بإعلان صفقة سلاح تبلغ قيمتها 4.1 مليار دولار بين الولايات المتحدة وتايوان (العدو المجاور للصين)، ورغم أن هذه الاتفاقية تمت في عهد الرئيس السابق أوباما، فإن توقيت إعلان هذه الصفقة تم لأهداف سياسية للضغط على الصين لتخفيف تعاملها التجاري مع كوريا الشمالية. ومما زاد الطين بلة، أن هذا الإعلان، وافق احتفالية الصين بمرور عشرين عاما لاستعادتها هونغ كونغ؛ وهو ما يراه الصينيون استفزازا صريحا.
القرار الآخر، كان بتوقيع عقوبات على بنك «داندوج» الصيني واتهامه بغسل أموال لحكومة كوريا الشمالية وستتسبب هذه العقوبات في تعثر تعامل البنك الصيني مع البنوك الدولية بشكل كبير، إضافة إلى ذلك فقد فرضت الحكومة الأميركية عقوبات على شركة شحن صينية بسبب تعاملها المشبوه مع كوريا الشمالية. ولم يسبق للولايات المتحدة فرض عقوبات على شركة صينية منذ بنك دلتا آسيا عام 2006. وفي حين صرح البيت الأبيض بأن هذه العقوبات موجهة للشركات نفسها، وليست رسالة أميركية للصين، ترى الصين أن التوافق الزمني بين إعلان صفقة السلاح وصفقة العقوبات ليس بمحض الصدفة، وإنما هو تحذير أميركي للصين لإيقاف التسهيلات التجارية لكوريا الشمالية، وبخاصة أن المتحدث الأميركي وضّح بأن هذه العقوبات لن تكون الأخيرة، وبأن الولايات المتحدة لن تتهاون مع أي جهة تمد يد العون لعدوها الكوري.
لم يكن السلاح الاقتصادي هو السلاح الأميركي الوحيد – وإن كان الأقوى – للتأثير على القرار السياسي الصيني، الذي يحوم غالبا حول الدعم الصيني السياسي لكوريا الشمالية، ففي حين تصرح الصين بأن محاربة السلاح النووي لكوريا الشمالية مسؤولية دولية وليست معنية بالصين وحدها، ترى الولايات المتحدة بأن الصين تملك ما قد يجبر كوريا على التراجع عن برنامجها النووي. وسبق للولايات المتحدة استعمال القوة الناعمة – كحقوق الإنسان - للتأثير على القرار الصيني، وصنفتها قبل أيام أحد أكبر الدول في الاتجار في البشر. كما استعملت مسبقا سلاح التلوث البيئي للتأثير على الإنتاج الصناعي في الصين. إلا أن العودة للعقوبات الاقتصادية تشكل خطوة للخلف في المفاوضات بين البلدين، كما لا يقتصر تأثيرها على الدولتين فحسب.
الخلاف الأميركي الصيني ليس خلافا اقتصاديا بحتا، ولا ينحصر حول العجز في توازن الصادرات والواردات بين البلدين، بل يمتد إلى السيطرة السياسية أولا، ومن ثم الهيمنة الاقتصادية حول العالم. وتبدو المحاولات الأميركية للظهور بمظهر الداعم للتجارة الحرة حول العالم واهنة في ظل سياساتها تجاه التبادل التجاري مع الصين. وفي حين يحاول الرئيس الأميركي التسويق للاستثمار في الولايات المتحدة، تثبط سياساته المتناقضة من دخول الشركات الأجنبية عامة والصينية، وبخاصة للسوق الأميركية. فبينما يعلن أن الصين تقوم بعمل جيد في اتفاقياتها مع الولايات المتحدة، يصرح مسؤول أميركي آخر بأن الصين لم تلتزم بشروط هذه الاتفاقيات. إضافة إلى ذلك، فإن إصراره على المزج بين سياسات الحكومات وبين التبادل التجاري، لا يزيد الشركات إلا إحجاما عن دخول السوق الأميركية. وتدرك الصين، أن السياسة والاقتصاد لن ينفصلا في علاقتها مع الولايات المتحدة. ولذا؛ فقد ركزت في السنوات الأخيرة على دول الاتحاد الأوروبي، وزادت صادرتها للاتحاد الأوروبي بنسبة 77 في المائة لتصل إلى 38 مليار دولار. كما أعلنت الصين الأسبوع الماضي بدء مفاوضاتها بالتجارة الحرة مع المكسيك. والصين بذلك، توجه رسالة إلى الرئيس الأميركي، بوجود دول كثيرة ترحب بالتبادل التجاري معها، بعيدا عن الضغوط السياسية.