نوح فيلدمان
أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»
TT

أميركا وقواعد حظر السفر الجديدة

أصدرت إدارة الرئيس دونالد ترمب مبادئ توجيهية من خلال وزارة الخارجية الأميركية للفئات المعفاة من قرار حظر السفر، من ست دول ذات أغلبية مسلمة كبيرة، وفق ما سمح به قرار المحكمة العليا الأميركية يوم الاثنين الماضي، لدخول حيز التنفيذ الفعلي بصورة جزئية. والمبادئ التوجيهية الجديدة متعسفة في تحديد ما يعتبر من العلاقات العائلية المستحقة للإعفاء. على سبيل المثال، تعتبر الحماة وثيقة قرابة حتى يُسمح لها بدخول الولايات المتحدة، ولكن لا يُسمح بدخول الجدة، وهي قرابة الدم التي لن يكون للمرء وجود في غيابها.
وذلك مرجعه أن إدارة ترمب تريد أن تبقي أكبر عدد ممكن من الناس خارج الولايات المتحدة بقدر الإمكان. ولكن ذلك أيضا جاء نتيجة قرار المحكمة العليا الأميركية، الذي أوجد نوعاً جديداً من الفئات القانونية لـ«العلاقات صادقة النوايا» مع تعريفها فقط فيما يتعلق بالمدعين في مختلف القضايا. والنتيجة المنتظرة هي وجود صعوبات عملية جديدة فضلا عن مزيد من التقاضي في الشهور المقبلة قبل أن يتصدى القضاة مباشرة لمشروعية قرار حظر السفر.
وعندما أصدر القضاة قرارهم بشأن الحظر خلال الأسبوع الحالي، حاولوا التوصل إلى حل توفيقي من شأنه المحافظة على القيود المؤقتة المفروضة على الحظر، التي أقرتها محاكم الدرجة الدنيا، وفي الوقت نفسه السماح لإدارة ترمب بإعلان الانتصار، كما فعل تماما في واقع الأمر.
وكان محور الحل التوفيقي هو عدم تطبيق حظر السفر على الرعايا الأجانب الذين يسعون إلى الدخول إلى الولايات المتحدة، والذين يندرجون تحت فئة «العلاقات صادقة النوايا» مع شخص أو كيان داخل الولايات المتحدة.
ولقد استحدثت المحكمة العليا هذه الفئة من العدم. وهذا مسموح به بسبب الحرية الواسعة التي تتمتع بها المحكمة العليا في صياغة سبل الانتصاف حال اتخاذها القرارات بشأن ما سوف يحدث، في حين أن الدعاوى القضائية لا تزال معلقة في المحاكم. وهي تمارس ما يعرف باسم «الصلاحيات التقديرية»، وهو المصطلح القانوني الذي تعود جذوره إلى التمييز القانوني الإنجليزي القديم بين القوانين الصارمة والانتصاف المرن. وعندما تمارس المحاكم حق الانتصاف بدلا من تطبيق القانون، لا يتعين عليها مراعاة القواعد المنصوص عليها في السابقات التشريعية أو النظم القانونية الأساسية. ويمكنها الموازنة بين الاعتبارات المتباينة وصياغة القواعد الجديدة المناسبة لحالة أو قضية بعينها.
والجانب الإيجابي من الانتصاف يتمثل في مرونته. أما الجانب السلبي فهو عندما تضع المحاكم القواعد الجديدة، ينبغي تطبيق هذه القواعد بواسطة المسؤولين الحكوميين الذين يفتقرون إلى التوجيهات التفصيلية بشأنها.
لقد أخبر القضاة إدارة الرئيس ترمب أن هناك نوعين من «العلاقات صادقة النوايا» ولا بد من أخذهما في الاعتبار. النوع الأول هو ما أطلقت عليه المحكمة العليا اسم «العلاقات العائلية الوثيقة»، التي قالت إنه من العلاقات الضرورية المطلوبة.
غير أن المحكمة لم توضح المزيد عما يمكن اعتباره «وثيقا». وكانت الأمثلة الوحيدة المطروحة تتعلق بالمدعين الأصليين الطاعنين في قرار حظر السفر: مثالا بقضية إسماعيل الشيخ السوري الذي حاول إدخال حماته إلى الولايات المتحدة من سوريا، والمدعي المجهول «جون دوي»، الذي يرغب في الإتيان بزوجته من إيران. وقالت المحكمة في حيثياتها: «المواطن الأجنبي الذي يرغب في الدخول إلى الولايات المتحدة للعيش مع أو لزيارة أحد أفراد العائلة، مثل زوجة السيد دوي أو حماة إسماعيل الشيخ، يتمتع بهذه العلاقة العائلية الوثيقة بكل وضوح».
ونتيجة لمثال إسماعيل الشيخ، فليس أمام إدارة ترمب من خيار سوى إدراج الأصهار وأبناء وبنات الزوجين في هذه المبادئ التوجيهية. وكان من المنطقي أيضا إضافة الأطفال والأشقاء، وهم الأقرب من الأصهار نسباً. وأدت إلى احتساب العلاقات النصفية لتشتمل على زوجات الأب وأزواج الأم كذلك.
ولكن الإدارة الأميركية استبعدت الجدود والجدات، والأعمام والعمات، وأبناء الأشقاء والشقيقات، فضلاً عن الشركاء غير المتزوجين، حتى وإن كانوا يعيشون سوياً. ومن التعسف الواضح القول إن الجدة ليست وثيقة القرابة مثل الحماة.
وتحاول إدارة الرئيس ترمب أن تقصي الذي تراه بقدر الإمكان من دون انتهاك قرارات المحكمة العليا الأميركية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»