حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

عشر سنوات من الإثارة!

الهواتف الذكية وقنوات التواصل الاجتماعي أصبحت لديها سمعة سيئة جدا في العالم العربي، فهناك مجاميع كبيرة من الناس ترى أنها كانت أهم الأدوات المساعدة في إحداث الفوضى العارمة في المنطقة، وتزييف الحقائق والوقائع على الأرض، وخداع الرأي العام، ونشر الإشاعات والأكاذيب على أنها أخبار دقيقة وموثقة.
العالم اليوم يحتفل بمرور عشرة أعوام على إطلاق أشهر الهواتف الذكية «آيفون» الذي أنتجته شركة «آبل» الأميركية العملاقة، وقد كتبت الكثير عن الأثر الذي أحدثه هذا الجهاز في حياة الناس، وأسهم في تغيير أنماط وأساليب العيش اليومي، خصوصا فيما يعني الخدمات المقدمة والمطلوبة.
واللافت هنا أنه في السنوات العشر المقبلة سيكون المقدم من قبل الهواتف الذكية ما يمكن أن يوصف بأنه ثوري بالفعل وصادم جدا بالمعنى الحرفي للكلمة تماما. من المتوقع والمنتظر أن يكون الجزء المخصص للهاتف كوظيفة عملية لا يزيد على عشرة في المائة من مهمة الجهاز. وقد يصعب تخيل معنى الجملة السابقة إلا لو تمعنا في التفاصيل المقصودة.
الجهاز سيصبح بشكل عملي ذاكرة حاملِه وموجهِ قراراته كلها. سيتحول الجهاز إلى خريطة عميقة لمعرفة أهواء ورغبات وآراء حامل الجهاز، وذلك بسبب تمكينه بقوة غير مسبوقة من الذكاء الاصطناعي الذي يمكن الجهاز من تحليل وتفسير كل تحركات وأذواق حامل الجهاز، وعليه سيتمكن بطريقة ذكية ومنطقية من توجيهه إلى شراء واقتناء حاجياته بأسلوب منطقي وذكي وسلس، سواء كان لشراء بطاقة طيران أو سلعة من السوبر ماركت أو ملابس أو أجهزة إلكترونية وآلية. سيخاطب الجهاز سلسلة من الأجهزة التي يرتديها حامل الجهاز مثل الساعة الذكية والنظارة الذكية والخاتم الذكي، وأجهزة ستكون من ضمن الملابس والأحذية نفسها.
إننا مقدمون على عالم مختلف تماما، سيكون الجهاز وسيلة السداد المعتمدة، لأن النقود الورقية والمعدنية والبلاستيكية سيكون قد تم القضاء عليها وانقرضت، سيكون الجهاز وسيلة القراءة الأولى، فالصحف ستنقرض تماما، وكذلك الأمر بالنسبة للتلفاز كما نعرفه اليوم؛ إذ سيحل محلها الجهاز والتطبيقات الهائلة التي سيتم استحداثها وتكون متوفرة. هذا التطور سيجعل من حامل الجهاز صاحب قوة وتمكين أكبر في الاختيار، سيفتح عليه آفاقا عظيمة الاختصار؛ في الوقت، والدرجة، والفعالية، والتأثير في صناعة القرار، المعلومة ستكون متوفرة بشكل أدق وأسرع وأشمل، والتعليم سيصبح حقاً أممياً عاماً، لأن حامل الجهاز سيتمكن من الحصول على شهادات معتمدة في أي مجال يختاره من مناهج حول العالم، بمشاركة طلبة من كل أنحاء العالم في جو افتراضي فريد من نوعه.
المواصلات بشتى أنواعها ستصبح مفتوحة بتطبيقات أكثر ذكاء، موفرة خيارات بأشكالها الذكية المختلفة، فتقل الحوادث، وتختفي حالات فقدان الرحلة، وضياع القطار، وغيرها من الأعذار التي اعتاد عليها الإنسان. مع كل ذلك الانفتاح الذكي، سيزيد حجم الاختيارات، وهي سلاح ذو حدين، فهناك فريق يحبذ زيادة الاختيارات ويرحب بها، ويعدها تمكيناً وتوسيعاً في الفرص، وهناك من يرى أنها زيادة في حيرة لا داعي لها وتعقيد لمسألة مبسطة، ويستشهدون على ما يحدث بمقهى «ستاربكس» الذي الغرض من الدخول إليه طلب فنجان قهوة، بينما يوفر المقهى 86 ألف خيار (نعم 86 ألفا) بين النكهات والمقاسات والأنواع من المشروبات، وكذلك الأمر بالنسبة لخيار الجنس في «فيسبوك»، الذي يقدم 84 خياراً، نعم 84!
عشر سنوات مذهلة من الهاتف، التي ما هي إلا مقدمة متواضعة لوعد الغد المذهل. ستيف جوبز لم يكن مبالغا حينما وعد بجهاز سيغير أسلوب الحياة؛ وقد فعل!