د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا بين لبنانيين

الأزمة الليبية بين رحيل اللبناني طارق متري صاحب مشروع لبننة الأزمة إلى قدوم اللبناني غسان سلامة، لا تزال تراوح مكانها، في خضم تبدل أربعة مندوبين دوليين عليها، بينما بقي المساعد معين شريم الشريك في جميع مراحل فشل البعثة الدولية في ليبيا في مكانه، مما يطرح سؤالا مهما، لماذا لم يستبدل إلى الآن، وهو الذي تلاحقه اتهامات بالميل إلى تيار الإخوان؟
التوهان والغيبوبة السياسية في أساليب تعاطي بعثة الأمم المتحدة مع الأزمة الليبية، التي تقلبت بين عبث الإسباني برناردينو ليون وتفتيت عناصرها وإطالة عمرها ومحاولة هندستها بشكل تشعبي بدلا من لملمة ما كان ممكنا لمه، وبراغماتية ومراوغة الألماني مارتن كوبلر، الذي جعل الأمم المتحدة عرابة لتدوير جماعات الإسلام السياسي عبر تدخلات مباشرة كانت تقوم بها مندوبة هيلاري كلينتون المسماة السفيرة الأميركية السابقة لدى ليبيا ديبورا جونس، من خلال تدخلاتها المباشرة في عمل البعثة الدولية وحضورها لجميع المفاوضات، بل كثيرا ما كانت تسبق الأطراف الليبية إلى منتجع الصخيرات المغربي، ومحاولة إيجاد حالة زواج قسري بين التيار المدني وجماعات الإسلام السياسي المتمثلة في إخوان البنا وقطب وفرع «القاعدة» الليبي المسمى الجماعة الليبية المقاتلة، كل هذا جعل خبر تكليف مندوب رابع للبعثة في ليبيا خبراً بارد الصدى في الشارع السياسي الليبي، لكون الأمم المتحدة أصبحت عبر طرق تعاطي مبعوثيها مع الأزمة جزءا من المشكلة وتعقيداتها لا جزءا من الحل، مما عكس حالة من إحباط عام ومجتمعي، خاصة من قدرة الأمم المتحدة على إيجاد حل ممكن التعاطي والتعامل معه والتعويل عليه للخروج من حالة الانسداد السياسي، التي تسببت في حالة (كفر) بالديمقراطية ومساربها، والتي تسببت في تحول ليبيا إلى بلد الرعب والخوف والفقر دون تحقيق أو عودة أبسط الحقوق حتى تلك التي كان يسمح بها نظام القذافي، من ضمان لسعر رغيف الخبز وتوفره وشبه استقرار لسعر صرف الدولار مقابل الدينار، مما تسبب في حالة من التحسر على فقدانه عند بعض الليبيين، بسبب صناعة الأزمات التي كان يتفنن فيها الإخوان، لإخضاع الشعب الليبي لحكمهم عبر افتعال سلسلة من الأزمات الغذائية، وتكرار أزمة الوقود في بلد يعتبر من أكبر مصدري النفط في المنطقة، إلى شح في السيولة النقدية ووقوف المواطنين في طوابير أمام البنوك لساعات طويلة للحصول على أقل من نصف مرتباتهم، في مقابل انهيار للدينار الوطني أمام الدولار، وجميعها لتنظيم الإخوان نصيب الأسد في صناعتها، عبر شبكة من التجار الفاسدين وبعض حكام البنوك التابعين لهم.
الأزمة الليبية ليست في حاجة لمندوب كالسابقين الذين جاءوا يحملون أجندة لفرضها على الليبيين في حضور جوقة من الكومبارس، كان قد جمعهم وحدد هوياتهم المبعوث الإسباني برناردينو ليون، لتمرير مشروع أوباما كلينتون لتوطين جماعات الإسلام السياسي.
ولكن اليوم بعد تبدل الإدارة الأميركية أعتقد أن المندوب الجديد قد يجد براحاً واسعاً للتحرك، بعد زوال ضغوطات إدارة أوباما كلينتون الراعي الرسمي لتلك الجماعات، وفي ظل تضرر بريطانيا الحاضن والمحتضن لقيادات تلك الجماعات من شرها بهجمات إرهابية متكررة، وضعت الحكومة واستخباراتها في حالة حرج من الاستمرار في إيواء تلك القيادات، وكذلك تبدل وتغير المعادلة العسكرية في ليبيا بعد انتصارات الجيش الوطني، مما سيعطي دعما مختلفا للمندوب الجديد، إذا رغب في لعب دور وسيط أممي لا مندوب سام كسابقيه.