وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

التحالف المستعصي على بوتين

لم يعد خافياً أن أميركا (وحلفاءها) وروسيا (وحلفاءها أيضاً) تخوضان حرباً واحدة على عدو واحد في سوريا والعراق... باستقلال لوجيستي تام عن بعضهما بعضاً، إن على صعيد التخطيط أم صعيد العمليات.
خلافاً لمنطق الحروب الكلاسيكية، لم يجمع العدو «الداعشي» المشترك خصميه الدوليين لا في العلن ولا في الخفاء. قد يعود ذلك إلى طبيعة المعركة: دولتان قويتان لا يليق بهما الدخول بتحالفات عسكرية في مواجهة ما هو في نهاية المطاف ميليشيات مسلحة. وقد يعود إلى اختلاف في أبعاد تكتيكاتهما في عملية تقويض «دولة الخلافة» المزعومة. وقد يعود، أيضاً، إلى حسابات ما بعد الحرب وتحديداً من سيقطف مجد النصر في تخليص الشرق الأوسط، والعالم، من فظائع الداعشيين وإخوانهم...
ولكنّ إعلان إيغور ليفيتين، مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استعداد موسكو «الدائم» - كما أكد - لإجراء «حوار بناء» مع واشنطن على «حل سياسي للنزاع السوري ومحاربة الإرهاب»، يكشف أنّ مبادرة الدعوة إلى التعاون صدرت عن موسكو، وأن الجهة الرافضة للدعوة هي واشنطن، رغم أن موسكو كررت الدعوة منذ أن أطلقتها، للمرة الأولى، في عهد الرئيس باراك أوباما، واقترحت فيها تشكيل «جبهة دولية» لمحاربة الإرهاب بتفويض من الأمم المتحدة.
من حيث المبدأ، تكشف الدعوة عن قناعة موسكو المبطنة بأنه لا حل سياسياً نهائياً للنزاع السوري دون مشاركة - واستطراداً - مباركة أميركية. ولكن طرحها في أعقاب بيان لوزارة الخارجية الروسية، تعترف فيه موسكو، صراحة، أن علاقاتها بحلف شمال الأطلسي «تمر بأسوأ حالاتها منذ أيام الحرب الباردة»، يوحي بأن موسكو تدرج دعوتها هذه في إطار تطلع إلى صفقة دولية مع إدارة الرئيس ترمب جائزة الترضية فيها دحر الإرهاب الدولي.
قد يكون شعور إدارة الرئيس ترمب أنّ ربط موسكو «الحوار» حول سوريا بصفقة تشمل التعاون في الحرب على الإرهاب، هي محاولة لجرها إلى مساومة قد تستتبع قبولها «بالأمر الواقع» الذي فرضه الرئيس بوتين في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا والقوقاز. ولكن إدارة الرئيس ترمب التي ترفع شعار «أميركا أولاً»، لا تغفل عن أخذ مصلحتها القومية في الحسبان من أي تحالف عسكري غير مسبوق مع روسيا بدءاً باحتساب من سيكون الرابح الأكبر منه.
من هذا المنظور، لا يخفى على وزارة الخارجية الأميركية - وقطعاً وكالة الاستخبارات الأميركية - أن واشنطن وموسكو تشنان حرباً واحدة على «الإرهاب»، ولكن من منطلقين متباينين:
- بالنسبة لواشنطن، الحرب على الإرهاب «الداعشي» هدفها حماية أمنها القومي ومصالحها الخارجية من العنف والتهديد، أي حرباً لا دوافع داخلية لها.
- بالنسبة لموسكو، حربها على الإرهاب «الداعشي» هدفها حماية وحدة أراضيها ومركزية سلطتها، أي أنّها مكملة لحربها على من تصفهم بـ«الانفصاليين من المسلمين الشيشان والتتر... لذلك وبحكم واقع روسيا الجغرافي والديمغرافي تعتبر «مكشوفة» أكثر من الولايات المتحدة للعمليات الإرهابية.
وخلافاً لعلاقات موسكو غير الودية مع أقلياتها الإسلامية، الأمر الذي يفسر انضمام أكثر من ألفي مسلم روسي إلى مقاتلي «داعش» في سوريا والعراق - يعيش مسلمو الولايات المتحدة في مناخٍ ديمقراطي يحفظ حقوقهم المدنية والمعتقدية.
صحيح أن الأحداث أثبتت أنّ الداخل الأميركي، رغم بعده الجغرافي عن مناطق التجمع «الداعشي» في الشرق الأوسط، لم يعد بمنأى عن الهجمات الإرهابية. لكن هذه الهجمات بقيت في نطاق العمليات الإرهابية المحدودة، ولا تختلف كثيراً عن الاعتداءات «المزاجية» (إن صح التعبير) التي ينفذها مواطنون أميركيون لا علاقة لهم بالتنظيمات التكفيرية.
باختصار قد يكون حرص واشنطن على ألا تتهم بمساعدة موسكو في ممارساتها ضد الحركات الاستقلالية الإسلامية في روسيا، من دوافع رفضها دعوة موسكو لتحالف دولي ضد الإرهاب... وهو حرص يخدم أكثر من مصلحة أميركية واحدة.