د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

الإسلام والأطراف المؤذية

في سياق حلقة من حلقات برنامج «ديناً قيّماً» تناولت موضوع الأذى تحدث الشيخان عمر عبد الكافي ومحمد راتب النابلسي عما يتعرض له الدين الإسلامي اليوم من أذى - وذلك حسب رأيهم - من الأصوات التي تحاول تهميش دور الدين في الحياة، وإظهاره فاقداً للفاعلية ودون وظيفة مهمة في العصر الحديث.
في الحقيقة فإن هذه الجزئية التي تمّ المرور عليها سريعا نعتقد أنّها جديرة بالتّوقف عندها ومناقشتها وتفكيكها قليلا. ذلك أن الإسلام صحيح قد تعرض إلى الكثير من الأذى، ولكن الأذى الذي قام به ضده من يدعون أنّهم أهله ومنتمون إليه، أكثر وأشد ضراوة من أذى الأعداء.
طبعا هناك معركة ظاهرة ومسكوت عنها أحيانا بين مقاربتين: مقاربة ترى أن الدين مسألة شخصية وتندرج في إطار الحريات الخاصة، ويدعو إلى تخليص الفضاء العمومي والاقتصادي والسياسي من الديني. وهذه المقاربة من نتاج الفكر الحداثي وتعبر عنه كتابات هرباماس بشكل واضح من خلال مفهوم التواصلية العقلانية.
أما المقاربة الأخرى فهي تؤمن بشمولية الدين لكافة مجالات الحياة وأن الدين منهج أبعاد الفعل الاجتماعي كافة، بمعنى أن تكون المرجعية الدينية مؤطرة ومحدّدة لسلوك الأفراد وللحقول الاقتصادية والسياسيّة.
ولقد رأينا كيف أن المقاربة الثانية قد آذت الدين الإسلامي كثيرا وقدمت حوله صورا لا تمت لمقاصده وجوهره وسماحته بأي صلة. كما أن هذه المقاربة نفسها تعرف مقاربات لا تختلف رغم تعدّدها إلا في درجة الطابع الراديكالي الذي تتميز به.
ولعل الأذى الحقيقي والكبير قد قامت به التنظيمات المتطرفة التكفيريّة من جهة والأحزاب الممثلة لما يُسمى الإسلام السياسيّ من جهة ثانيّة. فالأولى – أي التنظيمات التكفيرية - أظهرت المسلمين في صورة القتلى، والإسلام دين العنف من خلال توظيف خاطئ ومسقط لمفهوم «الجهاد». كما أنهم بدفاعهم عن ضرورة الرجوع إلى الإسلام الأول وعدم العمل بالاجتهاد في قراءة المستحدث من أمور الدنيا، والتمسك بالقراءة الثبوتية التي لا تعترف بالواقع وما عرفه من تغييرات، علاوة على نكرانها لدور العقل الإسلامي في التفكير والاجتهاد... بكل هذه الأفكار الميتة قام التكفيريون بتسويق صورة غير صحيحة عن الإسلام وعن المسلمين، فكان الأذى الكبير خاصة في الصورة المغلوطة التي بات يحملها الآخر عنا، ناهيك عن وقوع شبابنا العربي المسلم في شباك هذه التنظيمات التي تختار قصداً مسميات يدل ظاهرها على دفاعها عن الإسلام (أنصار الشريعة مثلا) في حين أن الحقيقة هي أنها تنظيمات تعمل بشكل حثيث ومنظم ومخطط له، لتقديم صورة سلبية عن الإسلام من خلال إفراغه من مضمونه الإيجابي.
فخطاب التنظيمات التكفيرية الذي يتغزل بالموت والقتل ويرفع اسم «الله الكبير» في لحظات إزهاق أرواح بريئة، وهو الذي يعتبر قتل نفس، ظلماً وعدواناً، يضاهي قتل الناس جميعا... قد تعمد هذا الخطاب قطع الصلة بين الإسلام والعقل والإسلام والحياة والإسلام والنجاح والطموح والحلم والفرح... وكان كل هاجس أرباب هذه التنظيمات هو استغلال الشباب وحشو رؤوسهم بخطاب حور العين، وهو في حدّ ذاته يكشف عن عجز هؤلاء في فهم الدين الإسلامي ووعوده لعباده الصالحين. بل إن مشكلة التكفيريين الأساسية هي مع الدنيا والغرائز في المقام الأول، الشيء الذي يجعل أحلامهم دنيوية المرجعية.
إنّ الإرهابيين الذين ذبحوا مؤخرا خليفة السلطاني ومن قبل أخيه مبروك التونسيين، إنّما هم في انتظار الفوز بالجنة وبأكثر ما يمكن من حور العين.
أيضا إلى جانب التنظيمات المتطرفة التكفيرية الإرهابية لا نستطيع أن نغفل عن الأذى الذي ألحقه الإسلام السياسي بالإسلام، حيث إن تكالبه على الوصول إلى الحكم وتوظيفه للدين وفق المصلحة، ومدى ضمان المشاركة في الحكم جلب خيبات حقيقية لم تعزز إلا خيار الفصل بين الدين والسياسة، ذلك أن توظيف الديني في السياسي من خلال التجارب التي حصلت أظهرت أن الغاية هي الوصول إلى الحكم، وليس الانتصار للقيم الإسلامية في اقتراح مشاريع للتغيير الاجتماعي. كما أنهم من أجل كسب قاعدتهم الشعبية الانتخابية لا يورطون أنفسهم في مراجعات معلنة وصريحة، وهو ما يعطي فكرة عن محدودية الأفكار التي يحملونها عن الدين الذي يظهرونه - حسب تفسيراتهم وأباطيلهم - عاجزا عن مواكبة الأسئلة والتغييرات المعاصرة.