مايكل ستيفينز
TT

قطر... الترويج لتغيير الأنظمة وحشد الأموال

يأتي قرار خمس دول عربية قطع علاقاتها بقطر ليؤذن لبداية فصل جديد في ملحمة قائمة منذ سنوات عديدة توترت خلالها العلاقات بين قطر وجيرانها. في الواقع، ثمة انقسام فعلي في المواقف ظل قائماً لسنوات ما بين الدوحة والدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وفي قلب المشكلة، تكمن خلافات بين هذه الدول حيال كيفية تفسير أحداث «الربيع العربي» التي بدأت عام 2011، والأهم من ذلك كيفية الاستجابة لها.
على النقيض من جيرانها في دول مجلس التعاون، عمدت قطر بحماس إلى الترويج لتغيير الأنظمة في أرجاء العالم العربي. وحشدت الدوحة الأموال والتغطية الإعلامية ووضعتها في خدمة كثير من العناصر الإسلامية، بما في ذلك جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، و«حماس» في غزة، وحزب النهضة في تونس ومجموعة من الميليشيات المتنوعة في ليبيا وسوريا.
واستجابة لذلك، عملت الإمارات والسعودية بقوة على التصدي للمصالح القطرية داخل المنطقة، وساعدتا في الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، وتمويل فصائل معارضة منافسة داخل سوريا ومساندة حكومة اللواء خليفة حفتر في ليبيا.
ورغم شروع السعودية والإمارات في مقاومة النشاطات القطرية الإقليمية، لم يتراجع حكام قطر عن موقفهم، خصوصاً أن الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ونجل عمه رئيس الوزراء حمد بن جاسم آل ثاني، كانا من العناصر المتمرسة في التعامل على الصعيد الدولي. وعلى مدار 20 عاماً، نجحا في بناء نفوذ واسع لقطر من خلال تشكيل مجموعة واسعة من التحالفات عبر المنطقة، تمتد من موريتانيا حتى أفغانستان. وعليه، جاء قرار حمد بتسليم السلطة لنجله تميم في أغسطس (آب) 2013 بمثابة فرصة أمام السعوديين والإماراتيين لممارسة ضغوط على حاكم قطر الحالي لإجباره على التزام صف باقي الدول العربية الخليجية.
وفي هذا الخضم المتزايد ضد السياسات الخارجية القطرية، ومع نزف قناة «الجزيرة» للمشاهدين على المستوى الإقليمي، وتعرض السياسة الخارجية القطرية لمصاعب متزايدة داخل ليبيا وسوريا ومصر في مواجهة ضغوط من مجلس التعاون الخليجي، حثّ الإماراتيون والسعوديون والبحرينيون تميم على الحد من نشاطات قطر الإقليمية. وفي أعقاب ستة شهور من المفاوضات التي مُنِيت بالفشل، سحبت الدول الثلاث سفراءها من الدوحة مطلع عام 2014 اعتراضاً على تشبث الأخيرة بموقفها.
وبمعاونة أمير الكويت، وافقت قطر على الإذعان أمام كل من الدول الثلاث في إطار سلسلة من المفاوضات الثنائية، مما أدى لإصلاح العلاقات بينها جميعاً عبر قمة مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر (كانون الأول) 2014. ومع ذلك، لم يرأب الصدع علانية حتى زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للدوحة في ديسمبر 2016.
ومع هذا، ورغم حسن النيات التي جرى إظهارها، لم تتلاشَ قط المشكلة الجوهرية الكامنة وراء ذلك الصدع. وفي الوقت الذي خفف القطريون فيه من حدة نبرة قناة «الجزيرة» وطردوا عدداً قليلاً من جماعة «الإخوان المسلمين» من الدوحة، ظل طموحهم للتحول إلى قوة إقليمية فاعلة قائماً، وكذلك صداقاتهم المتنوعة مع عدد من قوى الإسلام السياسي بمختلف أرجاء المنطقة؛ صداقات وجدت الإمارات على وجه التحديد صعوبة في استساغتها.
وخلال الشهور الأخيرة، خرجت قطر مجدداً عن إجماع دول مجلس التعاون الخليجي. ومن أكثر ما أثار حنق الإمارات والسعودية على وجه الخصوص تفاعلات قطر مع جماعات إسلامية على صلة وثيقة بـ«الإخوان المسلمين» وتنظيم القاعدة. والأسوأ من ذلك بالنسبة لهما التعاملات التجارية لقطر مع كيانات إقليمية موالية لإيران.
في أبريل (نيسان)، شاركت قطر في اتصالات مع تنظيم «هيئة تحرير الشام» المرتبطة بـ«القاعدة»، وذلك لضمان نقل مجموعات من السكان داخل البلاد. ويبدو أن قطر أبرمت هذا الاتفاق عبر التواصل مع إيران، الأمر الذي ضمن بدوره إطلاق سراح 26 من أفراد العائلة الحاكمة القطرية اختُطِفوا في العراق مقابل مبلغ ضخم جرى دفعه إلى ميليشيا كتائب حزب الله التابعة لإيران.
أيضاً، ساعدت قطر «حماس» علانية على إعادة رسم صورتها، وأعلنت الجماعة عن مجموعة أهداف جديدة من داخل أحد فنادق الدوحة في مايو (أيار).
من جانبها، عملت الولايات المتحدة كعامل محوري احتذى السعوديون حذوه. ومع تقارب الرياض على نحو أكبر مع واشنطن في الأيام الأخيرة، ومع تعهدها بشراء مزيد من الأسلحة الأميركية خلال زيارة الرئيس ترمب في مايو (أيار) الماضي، من المؤكد أن السعوديين شعروا بدفع أكبر تجاه التحرك نحو زيادة الضغوط على القطريين.
كما وجد الإماراتيون أنفسهم في علاقات طيبة مع إدارة واشنطن الجديدة، التي تتوافق سياستها الجديدة ضد إيران والإسلاميين المتشددين بدرجة كبيرة مع أولويات السياسة الإماراتية. وبالتالي، ثمة دفقة جديدة من الثقة داخل السعودية والإمارات بأن اتخاذهما إجراءات قوية لإجبار القطريين على العودة إلى الصف العربي الخليجي، سيحظى بدعم واشنطن.
وعلى ما يبدو، فإن الإمارات والسعودية عمدتا لاستباق أي موقف أميركي بإصدار إشارات تلقى قبولاً من جانب أعضاء الكونغرس الموالين لإسرائيل والمعادين لكل من إيران والإسلاميين المتطرفين.
وبالنظر إلى أن المحاولات الدبلوماسية لعزل قطر عام 2014 لم تخلف تأثيراً طويل المدى على سلوك الدوحة، فإنه من غير المثير للدهشة أن يقرر السعوديون زيادة رهانهم بدرجة بالغة هذه المرة عبر الإقدام على إغلاق الحدود البرية الوحيدة لقطر، وكذلك بجانب الإمارات ومصر وقف جميع الرحلات الجوية إلى قطر، مع منع مصر شركة الخطوط الجوية القطرية من استخدام أجوائها.
والمؤكَّد أن إغلاق الحدود البرية وإيقاف النقل الجوي سيخلفان تداعيات خطيرة على الاقتصاد والمجتمع القطريين سرعان ما سيبدو من المتعذر تحمُّلُها، حتى بالنسبة لدولة بالغة الثراء مثل قطر. وعليه، ثمة ضرورة لتقديم تنازلات كبرى من أجل تطبيع العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وعودتها إلى سابق عهدها.
* زميل باحث لدى معهد الخدمات الملكية المتحدة لدراسات الدفاع والأمن ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط
* خدمة «واشنطن بوست»