آرون ديفيد ميلر
نائب رئيس مركز وودرو ويلسون الدولي للأبحاث.
TT

افتقار السياسة الأميركية نحو مصر إلى الرؤية الصحيحة

لقيت زيارة وزير الخارجية جون كيري الأخيرة إلى القاهرة وما بدا خلالها كدعم لـ«الحكم العسكري» انتقادات حادة من قبل كل الأطياف السياسية في الولايات المتحدة، حيث هاجم المحافظون الجدد والليبراليون الداعون للتدخل الدولي البيت الأبيض لفشله في الوقوف إلى جانب المبادئ الديمقراطية وافتقاده الوضوح في سياسته نحو مصر.
وقد نجحت الولايات المتحدة في الابتعاد عن كل العناصر المكونة للسياسة المصرية من الإسلاميين والليبراليين والجيش وقطاع كبير من الشعب المصري على حد سواء، وذلك ليس بالأمر الهين.
وما من شك في أن السياسة الأميركية بشأن مصر والاضطراب السياسي في الشرق الأوسط تفتقر إلى الرؤية الصحيحة. لكن نهج إدارة أوباما - والعمل مع - لا ضد الجيش - وبالقطع التخلي عن أي جهود جادة تجاه الإصلاح الديمقراطي - منطقي وضروري.
أولا، لأنه لا يوجد سبيل الآن يمكن لواشنطن من خلاله أن تحدث تأثيرا واضحا على مسار السياسة المصرية، فقد اتخذ الجيش، المدعوم بقطاع واسع من الشعب المصري، قرارا في وقت سابق من العام الحالي بأن محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يشكلون تهديدا لتصورهم عن مصر ومستقبلها.
لم يكن تحرك الجيش مجرد إزاحة الإخوان على السلطة، ولا مجرد مناورة، بل اختيار استراتيجي.
وفي هذه الظروف - صراع الحياة أو الموت لروح مصر - لم يكن لنصائح ومناشدات أميركا تأثير مهم. وسواء قطعت الولايات المتحدة المعونات أو استمرت في تقديمها، فلم يكن ذلك ليشكل تأثيرا كبيرا بالنسبة للسلطة المعنية التي ترى أن مستقبل بلادها على المحك.
ثانيا: لم تكن مصر تتوجه نحو أي شكل ديمقراطي ذي مغزى، ولم يكن هناك أي زخم يمكن لأميركا أن تضيف إليه، فقد كانت البلاد على مدى السنوات القليلة الماضية في يد قوتيها الأقل ديمقراطية: الإخوان المسلمين والجيش. ولم تتمكن القوى الليبرالية والعلمانية التي قادت المظاهرات في ميدان التحرير التي أسقطت حسني مبارك من تنظيم نفسها بفاعلية لتقديم طريق ثالث. ولا يمكن لضغوط من الخارج أن تغير هذه الحقيقة.
رحل مبارك، لكن الدولة البيروقراطية غير الليبرالية التي رأسها لا تزال قائمة، ورغم إيماننا بالانتخابات والأمل في نهاية ديمقراطية على غرار هوليوود، لا يوجد الكثير لما يمكننا القيام به.
تستطيع الولايات المتحدة التمسك بمبادئها، وقطع المساعدات وبدء حملة ضغط خارجي مستدامة، لكن الأمنيات الجيدة تتصارع مع واقع أكثر منطقية، وهو أن الجيش القوة المهيمنة في البلاد، ومن المرجح أن يظل كذلك.
وفي حال غياب الجيش، هناك احتمالية حقيقية للغاية بتعرض أكبر وأهم دولة في العالم العربي - التي يصل عدد سكانها إلى 90 مليون نسمة - لخروج الأوضاع عن السيطرة والانهيار. وهذا ليس طلبا ملحا للاستقرار من النوع الزائف الذي أسقط مبارك في النهاية، أو حسرة على المستبدين الذين سقطوا، بل اعتراف بتراجع حدود نفوذ الولايات المتحدة في الوقت الراهن.
دعونا نتذكر العوامل التي أسهمت في تقارب الولايات المتحدة ومصر. لم تكن إعجابنا بسياسات العالم العربي أو دعمنا للإصلاحات الديمقراطية، بل العداوة التاريخية بين مصر وإسرائيل. والمساعدة العسكرية والاقتصادية لمصر كان نتيجة مباشرة لاتفاقية كامب ديفيد وما تلاها من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
لا تزال الولايات المتحدة عاملا مهما في هذه العلاقة الثلاثية، لكن مصر وإسرائيل تتعاونان بشكل وثيق هذه الأيام، والاتفاقية تصب في صالح مصر كما هي الحال بالنسبة لإسرائيل.
لكن لو أراد كيري فرصة لتحقيق إنجاز في المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية، فلن يتحمل رؤية الرابط المصري الإسرائيلي يضعف، أو أن تنأى الولايات المتحدة بنفسها عن شريك معاهدة السلام الأساسي مع إسرائيل. وأي اتفاق إسرائيلي فلسطيني سيتطلب دورا أميركا أكبر مما قامت به في عملية السلام المصرية الإسرائيلية.
إن أميركا عرضة للانتقاد عندما يتعلق الأمر بمصر، فرغم تجميد واشنطن المؤقت للمساعدات، ما زلنا نقدم 1.3 مليار دولار سنويا من هذه المساعدات.
يجب علينا أن نواصل الضغط لتنفيذ خارطة طريقه للانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأن نقبل أنهم قد لا يلتزمون بمثلنا الديمقراطية.
نحن في مصيدة استثمار في مصر وما من سبيل للخروج منها الآن. ونحن بحاجة إلى إدراك أن قيمنا قد لا تتفق ومصالحنا. وكلما قبلنا هذه الحقيقة كان من السهل علينا التأقلم مع هذه الانحرافات والتناقضات التي تحدد سياستنا.
* نائب رئيس مركز وودرو ويلسون الدولي للأبحاث.
* خدمة «نيويورك تايمز»