علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

التانغو النووي

لا بد أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري وهو يقول أمس في أبوظبي إن بلاده ليست في سباق للوصول إلى اتفاق نووي مع إيران، كان يريد أن يرسل إشارات طمأنة بأن واشنطن ليست تحت ضغط للقبول باتفاق قد لا يعالج كل نقاط القلق فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وخصوصا ما يتعلق بمستويات التخصيب والقدرة على إنتاج السلاح النووي.
والحقيقة أن من يسابق الزمن لإبرام اتفاق يخفف من العقوبات الغربية هو الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني وفريقه، فأمامه مهلة محدودة، ليس أمام الخارج، ولكن في الداخل مع المحافظين المتشددين في إيران الذين منحوه مهلة لن تطول طويلا قبل أن ينقضوا عليه ومساعديه ليقولوا ألم نقل لكم لا فائدة من الذهاب إلى التفاوض.
لقد جاء روحاني إلى الانتخابات بأغلبية مريحة عكست توجها مغايرا في المزاج الإيراني الداخلي بوعود الانفتاح على الخارج، وفك عزلة إيران الدولية، وتحسين أوضاع الاقتصاد الذي يئن من معدلات التضخم المرتفعة، والمشكلات المترتبة على العقوبات الاقتصادية الدولية التي تكبل حركة التجارة والتحويلات المالية، وترفع تكلفة استيراد السلع، وأسعار التأمين، وهو يعرف أنه لن يمكنه تحقيق ذلك من دون حل أصل المشكلة وهو الملف النووي الذي أخذ عشر سنوات من الشد والجذب حتى وصلت العقوبات إلى درجة خانقة.
وظهر الاهتمام الشديد في الشارع الإيراني المتلهف لرفع العقوبات الاقتصادية بوصول هذه المفاوضات إلى نتيجة من سهر الإيرانيين حتى ساعات مبكرة من الصباح لمتابعة المفاوضات الصعبة في جنيف بين القوى الست الكبرى وطهران، والتي رفعت التصريحات الإيجابية في بدايتها ثم انضمام وزراء الخارجية إليها، بعد أن كانت مقررة على أساس مسؤولين أقل من سقف التوقعات، لتأتي النهاية تنفس التوقعات بالوصول إلى حل سريع، ولتظهر أن «التانغو» النووي بين إيران والقوى الغربية سيأخذ وقتا وسيحتاج جهدا أكبر من قبل طهران.
وبالتأكيد فإن الجانب الغربي أو القوى الست الكبرى تدرك حالة الضغط التي عليها روحاني من قبل المتشددين داخل بلاده، وأنهم سيكونون أول المبتهجين بعدم الوصول إلى اتفاق، فهم يعرفون أن السير في هذا الطريق لا بد أن يقود إلى تغييرات جوهرية في السياسات، خاصة ما يتعلق بالملفات الساخنة في المنطقة التي تقود التدخلات الإيرانية فيها إلى توترات بدلا من أن تساعد على حل.
فإذا كان هناك جبل من تراكمات عقود من عدم الثقة يجب صعوده من أجل الوصول إلى اتفاق نووي، فإن جزءا كبيرا من هذا الجبل يتعلق بالمعادلة الداخلية للسلطة في إيران والصراعات المختلفة للأجنحة في إطار المؤسسة الواحدة، والتي يمسك بمعظم خيوطها المرشد الأعلى وهناك تجربة ليست بعيدة في هذا الصدد هي فترة رئاسة محمد خاتمي الذي سعى أيضا إلى الانفتاح، وكان وجها مقبولا خارجيا، ولكنه وجد نفسه في نهاية فترة حكمه شبه معزول داخليا في لعبة السلطة، ومعظم مفاتيح صناعة القرار ليست في يده.
هناك شوط طويل يجب قطعه لتنفيس هذه الأزمة والتي تنعكس على قضايا إقليمية أخرى في المنطقة تعتبرها إيران أوراق تفاوض في ملفها النووي، وجزء كبير منه هو التأكد من جانب الأطراف الدولية بأن الرغبة في تنفيذ أي اتفاق يجري إبرامه هو قرار المؤسسة الإيرانية ككل أنه لن يأتي أحد لإفساده كما حدث سابقا، وتكون المسألة مجرد كسب وقت وتقديم وجوه مختلفة في كل مرة. وهذا هو السبب الذي قد يجعل القوى الكبرى مترددة في توقيع أي اتفاق لا يتضمن ضمانات وشروطا لا يمكن الإخلال بها لتأمين الهدف الرئيس لهم، وهو التأكد من صحة ما تقوله طهران من أنها لا تسعى إلى سلاح نووي سيخلق وضعا جديدا في منطقة الشرق الأوسط ويطلق سباقا نوويا لا يمكن السيطرة عليه.
ولعل هذا يفسر استراتيجية التفاوض الحالية الأشبه بسياسة الخطوة خطوة، شيء مقابل شيء في المرحلة الأولى لحين الوصول إلى اتفاق شامل بعد شهور، المهم أن الكرة الآن في ملعب طهران وسيظهر من جلسة التفاوض الجديدة التي جرى الاتفاق عليها يوم 20 من الشهر الحالي ماذا كانت إيران مستعدة لتغيير حقيقي.