جيسون كاولي
كاتب بريطاني من خدمة «نيويورك تايمز»
TT

نايجل فاراج وحزب استقلال المملكة المتحدة

أقيم احتفال رائع في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) بفندق «ريتز» على شرف نايجل فاراج، السياسي الذي فعل ما لم يفعله غيره لتوفير الظروف الملائمة للاستفتاء الذي جرى في يونيو (حزيران) الماضي، وكانت نتيجته خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن فاراج كان قد تقاعد من منصبه كرئيس لحزب «استقلال المملكة المتحدة» الشعبي، فقد كان هذا الوقت هو اللحظة الأهم بالنسبة له. وكان الرئيس المنتخب دونالد ترمب قد نشر تغريدة للتو قال فيها إنه سيؤدي «عملاً عظيماً كممثل لبريطانيا العظمى في الولايات المتحدة»، في لفتة أشبه برد الجميل لفاراج لدعمه له خلال الحملة الانتخابية. فقد تحدث فاراج خلال مؤتمر جماهيري بمدنية جاكسون بولاية مسيسبي، وظهر على شاشة «فوكس نيوز» مرات كثيرة، حيث قُدّم للجمهور باعتباره «زعيم المعارضة البريطانية».
واليوم، وبعد مرور أقل من ستة شهور على تلك الأمسية بفندق «ريتز»، بات الحزب الذي قاده فاراج للانتصار يوم التصويت على الخروج البريطاني على وشك الانهيار. وفي الانتخابات المحلية في عموم بريطانيا الأسبوع الماضي، دُحر «جيش الشعب» المتمثل في حزب استقلال المملكة المتحدة بعدما فقد 145 مقعداً، ولم يحتفظ سوى بمقعد واحد. وبحسب تقرير هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فقد تراجعت حصة الحزب من أصوات البريطانيين إلى خمسة في المائة بعدما كانت 22 في المائة في الانتخابات الماضية عام 2013. ويسير حزب استقلال المملكة المتحدة صوب الانتخابات العامة المقررة الشهر المقبل مشوشاً، ومن دون أمل في ضمان ولو مقعداً واحداً في البرلمان البريطاني، وهنا يُثار السؤال: كيف انهار الحزب بهذه السرعة؟
جاءت الإجابة القصيرة لهذا السؤال من دوغلاس كارسويل، العضو المحافظ السابق بالبرلمان الذي انضم لحزب استقلال المملكة المتحدة عام 2014، وأُعيد انتخابه ممثلاً وحيداً للحزب في مجلس العموم. وبعد النتائج الكارثية لانتخابات الأسبوع الماضي، أعلن كارسويل أن الحزب الذي انسحب منه أخيراً قد انتهى.
وكتب كارسويل: «باعتباري أول وآخر عضو برلماني عن حزب استقلال المملكة المتحدة، فأنا أبعد ما يكون عن الاكتئاب. بالعكس، فأنا مبتهج، لماذا؟ لأننا فزنا». ولترجمة المعنى، فحزب «استقلال المملكة المتحدة» تأسس لتحقيق هدف محدد وهو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبتحقيق الهدف، لم يعد هناك سبب لوجود الحزب، إلا إذا أراد الاستمرار «نصف حي» في المؤسسة التي لا يزال الحزب يحظي بتمثيل كبير فيها، وهي البرلمان الأوروبي، الذي يستخف به.
كانت إعادة تنظيم حزب المحافظين في صورة حزب الخروج البريطاني (بريكست) هي ما سرّع من انهيار حزب استقلال المملكة المتحدة. فتيريزا ماي كانت ضد بقاء بلادها في الاتحاد الأوروبي خلال حملة الاستفتاء، لكنها ظهرت في يوليو (تموز) الماضي باعتبارها زعيمة الحزب المؤيد للخروج من الاتحاد، لتحل مكان ديفيد كاميرون رئيسةً للوزراء. فهي تريد من حزب المحافظين أن يصبح حزب «عامة العائلات العاملة»، تلك «الطبقة القادرة بالكاد على تدبير شؤونها»، وبسرعة قامت بإقالة وإبعاد كثير من أنصار كاميرون المقربين ممن يُنظَر لهم باعتبارهم «حكومة الأصدقاء والمعارف».
فالسيدة ماي ليست من أنصار الليبرالية العالمية ولا هي منَظِّرة في مجال السوق الحرة، لكنها تؤمن بالتماسك الاجتماعي والدولة القوية، كما تؤمن بتقليل الهجرة، ولغتها مجتمعية بشك صارخ، وقومية بشكل ناعم، ولذلك فتيريزا ماي هي أول رئيسة وزراء توصف بتوجهها ما بعد الليبرالي.
فقد تقبلت حتمية الخروج الصعب، وإن كانت تفضل الخروج «النظيف» من الاتحاد الأوروبي، الذي يعني خروج بريطانيا من السوق الأوروبية الوحيدة والاتحاد الجمركي الأوروبي الوحيد. وبهذا الإجراء، وبرفضها للإجماع السياسي والاقتصادي لحكومات بلير وبراون وكاميرون، فقد وحدت تيريزا ماي تيار اليمين، وأعادت تنظيم السياسة البريطانية، مما جعل حزب استقلال المملكة المتحدة عديم الأهمية. وبفوزها الكاسح المتوقع في الانتخابات العامة، أو ما أطلق عليه انتخابات الخروج البريطاني المقررة في يونيو المقبل، فتيريزا ماي باتت مستعدة لتقديم «جيش الشعب»، أو حزب استقلال المملكة المتحدة، إلى حزب المحافظين.
فإلغاء حزب استقلال بريطانيا يعد انقلاباً بالنسبة لماي. ففي وقت ذروة عملها الانتخابي في الانتخابات العامة عام 2015، فهذا التحالف الخائن الذي ضم متمردي القوميين في حزب المحافظين وناخبي حزب العمال السابقين والغاضبين من الهجرة الجماعية فاز بأصوات أربعة ملايين ناخب، بالمقارنة بنحو 9.4 مليون فاز بها حزب العمال (لو أن بريطانيا كانت تتبع نظام حصص التمثيل البرلماني، لكن حزب استقلال بريطانيا قد فاز بـ83 مقعداً، مقارنة بـ323 مقعداً التي فاز بها حزب العمال، بدلاً من المقعد الوحيد الذي فاز به كارسويل).
لكن بالنسبة لزعيم الحزب نايجل فاراج، فإن الفوز بالأصوات في مجلس العموم لم يكن قطّ الجائزة، فسمسار العاصمة السابق الذي عمل بسوق المعادن وتلقى تعليمه بكلية «دلويش» المرموقة بلندن (كلية معروفة اليوم بنخبة الدارسين الروس بها)، يرى نفسه راديكالياً معارضاً للنظام. فقد أخبرني ذات مرة أن الشخصية التاريخية التي تذكّره بنفسه هي جون ويلكيز، البرلماني الذي عاش في القرن الثامن عشر، والذي عُرِف عنه إثارته للرأي العام وتأليف الكتب. بالنسبة لفاراج، فالمهمة الرئيسية لحزب استقلال المملكة المتحدة هي إجبار حكومة كاميرون على إجراء استفتاء عام على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهو ما نجح فيه. لم يكن هناك مناهضة للمؤسسات فيما يخص مؤتمر شهر نوفمبر بفندق «ريتز» حيث قُدّمت أطباق اللحم المشوي والدجاج وشوكولاته «فيريرو روتشر» الفاخرة. من بين الحضور كان هناك السير فريدريك بيركلاي، الملياردير الذي يملك فندق «ريتز» وصحيفة «ديلي تلغراف» التي تُعدّ أكبر الصحف البريطانية المحافظة، بالشراكة مع شقيقة، وريتشارد دسموند، الملياردير الذي يملك صحيفة «ديلي إكسبريس»، وأرون بانكز، أحد ملوك المال في مجال التأمين والمتبرع لحملة «بريكست»، الذي يزعم أنه أنفق نحو 10 ملايين دولار على الحملة. في الحقيقة، يُحسَب لفاراج نجاحه في جمع كل هذه الرموز والمتبرعين ورموز الصحافة وملوك المال والنافذين لدعم قضيته.
في بداية الشهر الحالي، وقبل فترة بسيطة من الانتخابات الرئاسية الأميركية، حضر فاراج حفل عشاء أقامته مجلة «سبكتاتور» لتسلم جائرة «إنجاز العمر» من جورج أوزبورن، المستشار السابق لخزانة الدولة وكبير الاستراتيجيين بحكومة كاميرون. كان فاراج يشرب وكان سعيداً أن تُلتَقَط له الصور وهو ممسك بالسيجار وكوب الجعة، ويدلي بكلمات خشنة سخر بها من أوزبورن، وبعدها قال للحاضرين، بمن فيهم رئيسة الوزراء ماي إن «دونالد ترمب سيكون القائد الجديد للعالم الغربي».
قوبلت كلماته بسخرية، لكن فاراج كان في حالة هجوم تمثلت في سؤاله: «ماذا دهاكم؟ فهذا هو الموقف الذي تبنيتموه جميعاً تجاه الخروج البريطاني. لم تتوقعوا حدوثه»، وأضاف: «إنجازي كان أن أتبنى قضية كان الجميع يراها خاطئة وربما غير أخلاقية، والعمل على تحويلها إلى موقف عام مقبول في السياسة البريطانية».

* خدمة «نيويورك تايمز»