ميغان ماك أردل
TT

قائد جديد لفرنسا بلا معارضة حقيقية

عندما وصلت إلى فرنسا قبل أسبوع، كان كثير من المواطنين الأميركيين يسألون ما إذا كانت هذه الانتخابات سوف تمثل «الخروج الفرنسي» من الاتحاد الأوروبي، وأن مارين لوبان هي دونالد ترمب الفرنسية. ومع اعتبار قوة استطلاعات الرأي التي حظي بها إيمانويل ماكرون، اعتقدت أن هذا هو السؤال الخاطئ، حيث إن فرنسا قد شهدت بالفعل زلزالاً سياسياً من حجم «البريكست البريطاني»، عندما فشل أي من المعسكرين الكبيرين من تيار اليمين واليسار السياسي الفرنسي في الفوز بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
يبدو أن الحزب الجمهوري من تيار يمين الوسط ينهار ويتنكب الطريق في الوقت الراهن، محاولاً اتخاذ القرار بشأن خطوته التالية على المشهد السياسي الفرنسي. وهو برغم ذلك في وضع أفضل من الحزب الاشتراكي اليساري، الذي يقف مؤيدوه حالياً حول أسرة المرضى ويتحدثون بأصوات هامسة. خدع جان لوك ملنشون كثيراً من الناخبين الاشتراكيين ولا سيما من أصحاب الدخول المتدنية والعاطلين عن العمل بشعار «فرنسا الأبية»، في حين أن ماكرون فاز بأصوات جُل الناخبين بحملته الانتخابية التي ركزت بالكامل على الملفات الأوروبية، والعولمة، والإصلاح الاقتصادي، والهجرة. حتى لوبان نفسها قد حصلت على بعض الأصوات في الجولة الثانية من مؤيدي تيار «اليسار المتطرف». يكره المرء الإعلان عن الوفاة قبل أوانها، ولكن يصعب كثيراً رؤية كيفية تعافي الاشتراكيين من أدائهم السياسي المشين ذي الرقم الواحد في الجولة الأولى من الانتخابات الأخيرة.
ومع سقوط المعسكرين الرئيسيين الكبيرين في حالة من الفوضى والتخبط، يثور التساؤل بصورة طبيعية: إذا ما أصبح شعار إيمانويل ماكرون من العولمة الحماسية هو بؤرة التركز الآيديولوجي لجانب واحد من جوانب الطيف السياسي الفرنسي، فكيف سوف تتشكل المعارضة الطبيعية؟
يمكن تقسيم النظم الانتخابية إلى نوعين أساسيين: تلك التي تميل إلى إنتاج النتائج ثنائية القطبية، وتلك التي تميل إلى أن تُدار بالتحالفات السياسية بدرجات متفاوتة من الاستقرار السياسي. إن مقاطعات العضو الواحد ذات النظم التي فازت بأكثر الأصوات (التي يتولى المنصب فيها الشخص الذي حصل على أعلى الأصوات)، تميل إلى إنتاج حزبين قويين. أما نظم التمثيل النسبي فتميل إلى أن تكون أكثر أفضلية وملائمة للأحزاب الصغيرة، وذلك على حساب بعض من رؤساء الحكومات الأضعف تأثيراً.
والولايات المتحدة، بطبيعة الحال، هي من الدول ذات النظام ثنائي القطب. وهكذا فرنسا بدرجة من الدرجات. ولا وجود للأحزاب السياسية التي تشكلت منذ قرون. ولكن السيطرة على الحكومة تميل للتبادل بين الأحزاب الكبيرة السائدة من تياري اليمين واليسار، رغم أن هوية هذه الأحزاب قد تغيرت نوعاً ما منذ إنشاء شارل ديغول للجمهورية الفرنسية الخامسة. إن نظام الجولة الانتخابية الثانية يقلل من نطاق المرشحين للرئاسة، ويجبر الناخبين على الاختيار بين الخيارات الأكثر شعبية، وتميل الأحزاب إلى المساعدة في هذه العملية من خلال عمليات الانسحاب الاستراتيجي من الجولة الانتخابية الثانية. كذلك، فإن هيكل النظام يمنح الناخبين والسياسيين الحوافز إلى تسليم رئيس الحكومة الأغلبية في المجالس التشريعية.
تنقسم النظم الثنائية كثيراً على طول خطوط الصدع الكبيرة في مجتمعاتها: الرأسمالية والعمالية، والحضرية والريفية، ودافعو الضرائب مقابل المستفيدين الصافيين من البرامج الحكومية. خلال العقود الأخيرة، كانت خطوط الصدع المشار إليها على مستوى الحكومات نفسها، عبر الإنفاق الحكومي واللوائح الحكومية. ولكن العام الماضي قد جلب برفقته فجوة لا تعبر تماما عن تلك المسارات المطروقة: بين من يتبنون العولمة، ويستفيدون منها، وأولئك الذين يريدون هجرات أقل، والقليل من التجارة الحرة، والعودة إلى النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي كان يمثل بالنسبة إليهم الماضي السعيد.
يعتبر ماكرون هو «الجوهر الخالص» لأحد أطراف هذا الجدال: فهو مصرفي في مجموعة «روتشيلد»، ومن خريجي كليات النخبة، ومن المشيدين غير النادمين بالليبرالية الاجتماعية والاقتصاد المفتوح. فإذا ما شكل شعاره الجديد من العولمة التكنوقراطية إحدى الركائز الراسخة للانقسام السياسي الفرنسي الجديد، فإن هذا يعني أن الركيزة المقابلة من الطيف السياسي سوف تصوغ ذاتها في ثوب المعارضة لنظام حكمه: القليل من المودة حيال الاتحاد الأوروبي والتجارة الحرة بشكل أوسع، والقليل من الاهتمام في تفكيك قواعد سوق العمل الفرنسية الصارمة، والقليل من المودة كذلك حيال المهاجرين القادمين من أماكن بعيدة وثقافات أبعد.
ويشبه هذا كثيراً ما تجسده مارين لوبان، وبكل تأكيد، فلقد استمعت للكثير من المحافظين السائدين الذين أعربوا عن قلقهم حول هذا الأمر فحسب. ولكن ليس هذا هو الاحتمال الوحيد، مع اعتبار حجم السّميَّة التي يوحي بها اسم حزبها السياسي، فلن يكون من الضروري أن يكون هو البديل الأكثر احتمالاً.
ومع استدعاء المثال الأميركي الموازي لا بد من النظر إلى رئاسة رونالد ريغان. فلقد كانت معادلة الفوز الانتخابي لدى الحزب الديمقراطي تدور حول «معارضة كل ما يقوله ريغان»، ولكن بيل كلينتون، الذي بدا في صورة أرق وألطف من ريغان، كان من أشد المنتقدين لليزا وليامسان المعروفة باسم الأخت سولجه لتصريحاتها العنصرية التحريضية، وهو الذي تعهد بأن يكون الإجهاض آمناً وقانونياً وقليلاً، وهو الذي استخدام تخفيضات الضرائب بدلاً من الإعانات في مساعدة الدوائر الانتخابية المختارة، وهو الذي تحرك من أجل نظام وطني للرعاية الصحية، ولكن انتهى به المطاف بالتوقيع على الإصلاح التاريخي لنظام الرعاية الاجتماعية (حتى وإن فعل ذلك تحت ضغوط انتخابية كبيرة). فمن الممكن أن تشهد السياسات الفرنسية تطورات مماثلة.
ومع ذلك، من الممكن أيضاً ألا تفعل. فحتى الآن لا وجود للقطبية الثنائية في المجال السياسي الفرنسي العام، وفقاً لآرون كابيل أستاذ العلوم السياسية، فهناك 5 أطياف سياسية رئيسية في المشهد الفرنسي وهي: «اليسار المتطرف، والجوقة الصغرى من الاشتراكيين الموالين، وحركة إلى الأمام، والحزب الجمهوري، والجبهة الوطنية». ومن المحتمل تصفية هذه الأقطاب بصورة من الصور، ولكنها لن تعود أبداً إلى سابق عهدها من تحالفات اليمين الداخلي أو اليسار الداخلي القديمة التي حافظت على الاستقرار السياسي الفرنسي عبر ما يشبه نظام الحزبين. كان ملنشون من المؤمنين الحقيقيين غير الراغبين حتى الآن في إقامة التحالفات الاستراتيجية، ويبدو للجميع أن الجبهة الوطنية اليمينية غير متعاونة، حتى وإن كانت الأحزاب الأخرى راغبة في التعاون معهم، وهم لا يرغبون في ذلك فعلياً. إذا حافظت هذه التكتلات السياسية على عدد كافٍ من الناخبين لخوض الانتخابات، ولكنه ليس العدد الكافي للفوز بها، فإن الانتخابات الفرنسية في المستقبل سوف تكون أكثر عنفاً وشراسة.
من السابق لأوانه معرفة أي نوع من المستقبل سوف يستمر. ولكن يمكننا البدء في التخمين والتوقع خلال انتخابات يونيو (حزيران) التشريعية المقبلة. كيف سيكون أداء حركة «إلى الأمام» سوف يوفر مزيداً من المؤشرات حول التحول الكبير الذي نجح ماكرون في تحقيقه داخل السياسات الفرنسية. وكيف سيكون أداء الجمهوريين سوف يعطينا بعض الإشارات حول ما إذا كان باستطاعتهم استعادة زخمهم السياسي مرة أخرى. كما أن أداء اليسار المتطرف واليمين المتطرف سوف يشير أيضاً إلى ما إذا كانت فرنسا على مسار إنشاء «الطبيعة الجديدة» التي لا تختلف كثيراً عن سابقتها، أو ربما تنطلق نحو الأراضي المجهولة، حيث تكمن لها على الطريق بعض الوحوش غير الظاهرة.

*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»