حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

تجربة لافتة

مشاركة الإسلاميين الناجحة في الحكم في المغرب تجربة لافتة، ركنا نجاحها: ملكية عريقة تنبذ وحكم مستقر، وتؤمن بأن المشاركة السياسية حق لكل شرائح الشعب المغربي، بغض النظر عن الراية السياسية والحزبية والفكرية والعرقية، وأن هذه المشاركة الشاملة هي «إكسير» الاستقرار والازدهار. وركنها الثاني حزب مدني ذو مرجعية إسلامية، لديه القدرة على مواكبة التطورات والتعامل مع المتغيرات، حزب يرى أن أحد أسباب إخفاق بعض الأحزاب الإسلامية في الساحة السياسية في المشرق العربي هو في «التكلس» الذي يصيب قمتها وقاعدتها، قمتها التي استعصت على إحداث التغييرات، وقاعدتها التي تسلم قيادها للزعامات التاريخية التي شاخت، وشاخت معها قدرتها وجسارتها في المراجعات والنقد الذاتي.
لم تنل تجربة المملكة المغربية في دمج الإسلاميين في العملية السياسية حقها من الاهتمام والمتابعة والتحليل واستخلاص النتائج، وانشغلت النخب الإسلامية والليبرالية في المشرق العربي في معارك «بسوسية» إقصائية، استخدمت فيها الأسلحة «الفكرية» المحظورة، فكل تيار يرى «المروق» في التيار الآخر. فريق يرى مروق منافسه من الدين عبر بوابة التشدد والتنطع، والفريق الآخر يرى مروق منافسه من الدين عبر بوابة الانفلات والتحرر، وتاهت تنمية بلدانهم وازدهارها وهم ممسكون بتلابيب بعض.
أما تجربة مشاركة الإسلاميين في الحكم في المملكة المغربية، من خلال حزب العدالة والتنمية، فقد جسرت الهوة بين التيارات الإسلامية والتيارات الليبرالية؛ لأن لمنظّري حزب العدالة والتنمية المغربي آراءهم في مسألة «إسلامية» الحكم، والتي تعتبر من أسس أدبيات الحركات الإسلامية المعاصرة.
عرّاب هذه التغييرات والمراجعات في السياسة الشرعية ومنظّرها هو رئيس وزراء المغرب، الدكتور سعد الدين العثماني، الشخصية السياسية الهادئة الوقورة والعميقة، الذي تبوأ منصب رئيس الوزراء خلفاً لزميله في حزب العدالة والتنمية ابن كيران، الشخصية السياسية الصاخبة ذات الشعبية العالية في الشارع المغربي. جمع العثماني بين تخصصين مختلفين، الطب والعلوم الشرعية، وأفاده هذا المزيج المنوع في تكوين شخصية قادرة على إجراء عمليات جراحية على جسد الفكر الإسلامي، فيها مهارة الطبيب وبراعة الفقيه، ولهذا أجرى العثماني عملية فصل سيامية ناجحة لتوأم ظل لصيقاً في جسد الحركات الإسلامية السياسية ردحاً من الزمن (السياسة والدعوة).
ومع أن العثماني أحد مؤسسي حركة «الجماعة الإسلامية»، إلا أنه ساهم بذكاء وبرغماتية حميدة في نزع صفة «الإسلامية» من الحركة، لتكون بمسماها المدني الجديد «حركة الإصلاح والتجديد»، حتى لا يفهم الناس أن المسمى يلمح إلى نفي صفة الإسلام عن غيرهم.
ويبدو أن العثماني وحركته استفادوا من المعضلة التي ظلت تلاحق حركة «الإخوان المسلمين» حتى اللحظة، بسبب وصف أنفسهم بالمسلمين، الوصف الذي استغله خصومهم بقوة ليتهموهم بأنهم يرون أنفسهم مسلمين وغيرهم مارقين.
وما كان للكيان السياسي المغربي أن يتقبل حركة إسلامية لتشارك في إدارة دفة البلاد، لولا أنها مارست عملية نقد ذاتي عميق، ومراجعة تستغرق منطلقاتها ووسائلها وتصوراتها وغاياتها ومجالاتها، المراجعة التي أفضت إلى تغيير كبير في توجهاتها في العمل الإسلامي، ونظرتها للمخالفين في الساحة الفكرية والسياسية، وهو ما يفتقده نظراؤهم في المشرق العربي.
وللحديث بقية.