طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

بوتين يحذر إيران والأسد

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رداً على سؤال عما إذا كان يتوقع أن تشن أميركا مزيداً من الضربات الصاروخية في سوريا: «لدينا معلومات بأنه يجري التجهيز لاستفزاز مشابه... في أجزاء أخرى من سوريا، بما في ذلك ضواحي دمشق الجنوبية، حيث يخططون مرة أخرى لزرع بعض المواد واتهام السلطات السورية باستخدام (أسلحة كيماوية)».
وأضاف بوتين، بحسب وكالة «رويترز»، أن روسيا ستطلب بشكل عاجل من منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية التحقيق في هجوم إدلب، مع إعلانه أن روسيا ستتقبل الانتقادات الغربية لدورها في سوريا، إلا أنه يأمل في تخفيف المواقف في نهاية المطاف! حسناً، ما معنى هذه التصريحات، ويوم وصول وزير الخارجية الأميركي إلى موسكو؟ بالطبع لا يمكن لعاقل أن يصدق مقولة إن الأميركيين «يخططون مرة أخرى لزرع بعض المواد واتهام السلطات السورية»، وكما يقول بوتين، ففي حال أراد الأميركيون توجيه ضربات عسكرية لمجرم دمشق بشار الأسد، هكذا وبكل بساطة، فإن المبررات كثيرة، ومنطقية، ومنذ عهد أوباما، وليسوا بحاجة لانتظار استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية.
ولذلك، فإن القراءة المنطقية لتصريحات بوتين هي أنه يريد تحذير الأسد، وكذلك إيران، من مغبة الإقدام على أي فعل قد يؤدي إلى مزيد من الضربات الأميركية ضد النظام الأسدي، مما من شأنه إحراج الروس الذين لن يقْدموا على أي فعل من شأنه التسبب بوقوع اشتباك عسكري بينهم وبين الأميركيين، فمهما كانت المصلحة الروسية في سوريا، فإن موسكو لن تذهب إلى آخر الطريق دفاعاً عن الأسد، لأن مصالح روسيا الحقيقية في أوروبا، وبات ثابتاً للروس اليوم أن الرئيس ترمب ليس الحليف الذي كانوا يتمنون، بل إنه الرئيس الأميركي الجديد الذي قام بتوجيه ضربة عسكرية للأسد. ولذا، أيضاً، قام الرئيس الروسي بتطمين الغرب من خلال القول إن بلاده ستتقبل الانتقادات الغربية لدورها في سوريا، لأنه، أي بوتين، يريد تطمين الغرب بأنه لا يزال يلعب سياسة، وموقفه في سوريا ليس موقفاً عقدياً، أو موقف حياة أو موت، كما هي الحال بالنسبة لإيران، أو «حزب الله» الإرهابي، وإنما هو موقف قابل للتفاوض.
وعليه، فإن بوتين لن يقبل بمزيد من الحرج في سوريا، ونقول «حرجاً» لأن موسكو لم تردّ عسكرياً على إسقاط الأتراك مقاتلة روسية، فكيف سترد على ضربات أميركية موجهة ضد الأسد، وبعد استخدامه «الكيماوي» الذي تعهدت موسكو عام 2013 بإزالته؟ ومن هنا، فإن الموقف الروسي الآن شديد الحرج، ولذا يبدو أن تصريحات بوتين هذه بمثابة التحذير لإيران والأسد من مغبة التهور، أكثر من كونها اتهاماً للأميركيين، فإذا كان الأميركيون يتآمرون هكذا، فمن باب أولى ألا يواصل الروس التفاوض معهم، وألا يتحمسوا لاستقبال وزير الخارجية الأميركي في موسكو، ويوم تصريحات بوتين هذه! لذلك يبدو أن حديث بوتين هو تحذير لإيران والأسد، أكثر من كونه موجهاً للأميركيين.