إيلي ليك
TT

شكرا ترمب على تفعيل خط أوباما الأحمر في سوريا

على سامانتا باور أن ترسل رسالة شكر إلى دونالد ترمب. فقد اكتسبت باور شهرتها كمؤلفة لكتاب «مشكلة من الجحيم: أميركا وعصر الإبادة الجماعية». فقد جادلت الكاتبة وبشكل مقنع بأن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية خاصة في حماية أي ضحايا جدد لعمليات الإبادة الجماعية.
أعجب باراك أوباما كثيرا بالكتاب، ولذلك جعل من باور مدرسته الخاصة في السياسة الخارجية عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ، وأحضرها إلى البيت الأبيض بعد فوزه بالرئاسة وعينها سفيرته في الولايات المتحدة في فترة ولايته الثانية. وفي مفارقة قاسية، تجاهل التلميذ السابق تحذيرات باور عندما قام ديكتاتور سوريا بشار الأسد بقتل مئات الآلاف من مواطنيه. استمرت باور في عملها، وألقت خطبا قوية. وبصورة غير معلنة، كانت باور تضغط على أوباما لكي يفعل شيئا حيال المذابح الجماعية، لكن أوباما لم يفعّل أبدا «الخط الأحمر» الذي أعلنه عام 2012 بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.
لكن الخميس الماضي، فعل ترمب ما لم يفعله أوباما، فقد أصدر أوامره بإطلاق 59 صاروخ توماهوك على قاعدة الشعيرات العسكرية في سوريا، وهو المكان الذي أطلقت منه سوريا غاز السارين المرعب بداية الأسبوع الماضي. وبالفعل شرع منتقدو ومؤيدو التدخل في سوريا في ترتيب نقاط النقاش. وهنا علينا التوقف للحظات.
من المهم هنا الإشارة إلى أن ترمب غير رأيه بشأن سوريا سريعا عقب الهجوم بالغاز في سوريا. وقالت التقارير التي صدرت قبل ذلك إن بعض الطائرات والممرات قد جرى تدميرها.
في التسعينات، كان يطلق على هذا الإجراء تعبير «دبلوماسية الصواريخ»، وبعد تفجير تنظيم «القاعدة» لسفارتين في أفريقيا، شن كلينتون هجوما بالصواريخ على معسكرات تدريب في أفغانستان وعلى مصنع للأدوية في السودان. كذلك أطلق الصواريخ على صدام حسين بعدما قام الديكتاتور بطرد مفتشي الأسلحة. وبنهاية ذلك العقد، وتحديدا بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أصبح هذا التكتيك شعارا لأنصاف الحلول غير المؤثرة.
وبعد مرور ثماني سنوات من بداية تولي أوباما للحكم، تبدو دبلوماسية الصواريخ أكثر قوة، فأوباما لم يشن هجوما على نظام الأسد مطلقا، حتى في ظل إصراره على تكرار المذابح عاما بعد عام. لكن هذا لا يعني أن أوباما لم يتدخل في سوريا، فبدءا من عام 2014، شرع أوباما في شن الضربات الجوية ضد أهداف تنظيم داعش في سوريا، كذلك أرسل فرق عمليات خاصة للمساعدة في تدريب مقاتلين محليين وتدريب الميليشيات الكردية على قتال المتشددين. فأوباما ليس مسؤولا بشكل أساسي عمن قام الأسد ومعاونوه – روسيا وإيران - بقتلهم وتشريدهم، لكن فشله في تفعيل تحذيره بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية أضعف النظام العالمي. فمبادئ مثل حظر استخدام الأسلحة الكيماوية لن تفعل نفسها بنفسها، إذ إنها تحتاج إلى دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة لردع الطغاة ومنعهم من تكرار مثل تلك الأفعال في المستقبل. فعندما تتخلى الولايات المتحدة عن مسؤوليتها عن تفعيل الخط الأحمر بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية، فإنها تشجع على المزيد من الخروقات من الدول المارقة من جميع أنحاء العالم. ولذلك لم تكن مفاجأة أن نرى افتراس الصين لبحر جنوب الصين، وغزو روسيا لشبه جزيرة القرم، وتدخل إيران في اليمن، فجميعها حدثت عندما تهاون أوباما في تفعيل الخط الأحمر في سوريا.
فسرعة رد فعل ترمب الكبيرة على المذبحة التي ارتكبها بشار الأسد مؤخرا تعد خطوة أولى جيدة في سبيل تعزيز قوة الردع، لكن الأمر يحتاج إلى ما هو أكبر من دبلوماسية الصواريخ لاستعادة النظام العالمي الذي انهار خلال سنوات حكم أوباما. ولذلك على ترمب أن يعد لما هو أكبر.
وفي هذه النقطة تحديدا سيكون من المفيد لترمب توجيه فريق الأمن القومي لإعداد خطة لتدمير سلاح الطيران الذي يملكه الأسد بالكامل، لأنه يستخدمه في إلقاء قنابل الكلورين وغاز السارين على شعبه، مثلما فعل الأسبوع الماضي، ناهيك عن إسقاطه لبراميل البارود التي دمرت الكثير في بلاده منذ عام 2011، ولذلك فسوف يكون العالم أكثر أمنا بعد تدمير هذه الأسلحة.
الجدل المثار هنا هو أن مثل هذا التصعيد سيصب في صالح تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، فهذا كان نفس الطرح الذي ساقه القادة العسكريون لأوباما عام 2013 عندما تراجع عن الخط الأحمر الذي كان قد قطعه على نفسه أمام الكونغرس. لكن في ذلك الوقت لم تكن القوات الأميركية قد دخلت في حرب ضد المتشددين في العراق وسوريا، غير أن الولايات المتحدة اليوم تعمل بالتعاون مع مقاتلين محليين وفي مدينة الرقة، عاصمة «داعش» وحولها. وفي العراق، باتت القوات العراقية، بمساعدة الولايات المتحدة والقوات الجوية، أقرب من أي وقت مضى من تحرير الموصل، معقل تنظيم داعش والذي استولى عليها عام 2014.
في النهاية، لهذا الجدل معنى ومغزى سياسي لترمب. فالديمقراطيون يتهمون ترمب بالتواطؤ مع روسيا بعد تدخلها في الانتخابات الرئاسية ضد منافسته كلينتون، حيث يقولون إنه قرر الوصول إلى صيغة تفاهم مع روسيا وإنه في النهاية سيحقق مبتغاها، ولذلك فإن مواجهة أهم حليف روسي في الشرق الأوسط هو أسهل طريقة لتبديد هذه النغمة.
من يدري؟ فلو استطاع ترمب الإسراع في إسقاط ديكتاتورية الأسد، أو على الأقل تدمير قدرته على استخدام الغاز ضد شعبه، فسوف يفوز البيت الأبيض باحترام الليبراليين في جميع أنحاء العالم ممن خاب ظنهم نتيجة لتراخي أوباما. بالتأكيد تدركون من أقصد، ناس مثل سامانتا باور.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»