طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

أميرة الشعراء تُشرق في «أبوظبي»

«الشعر ديوان العرب» مقولة شهيرة رغم أن البعض يستبدلها أحيانا بالرواية أو الفيلم، ليصبحا هما الديوان الذي من خلاله يمكن رصد وتحليل تاريخنا، إلا أن الشعر مهما واجهه من معوقات، لا يزال محافظا على مكانته، فلا يمكن إغفال أن الذائقة العربية مهما كانت عاديات الزمن، قادرة على أن تميز بين الغث والسمين.
ومن دولة الإمارات العربية المتحدة يأتي الرد القوي والمفحم مسابقة «أمير الشعراء» التي تنظمها هيئة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بمدينة أبوظبي ويشرف عليها عيسي المزروعي نائب رئيس الهيئة، تحت رعاية الشيخة فاطمة بنت مبارك.
انطلقت تلك المسابقة عام 2007، قبل أن تكتظ سماء الفضائيات بهذا العدد الضخم من البرامج المتخصصة في الغناء والتمثيل وأغلبها لا هدف له سوى الربح المادي، ساهمت تلك البرامج في زيادة مساحة «الشوفونية» والنعرات الإقليمية بين الشعوب العربية، بينما مسابقة «أمير الشعراء» تُمثل حالة نادرة من النقاء والشفافية، فهي تنشد فقط القيمة الأدبية والجمالية تحت مظلة واحدة يتفق عليها الجميع وهي الكلمة المفعمة بالألق والوهج.
لقب «أمير الشعراء» التصق بأحمد شوقي الذي بايعه كل الشعراء العرب، قبل 90 عاما، فكان ينبغي بعد مرور كل هذه السنوات أن يتبادل على الإمارة آخرون، لا يستمر الأمير أميرا أكثر من عام، على ألا يتجاوز عمر المتسابق خمسة وأربعين عاما، وألا يقل عن ثمانية عشر عاما، وفي النهاية يحصل على مبلغ مليون درهم إماراتي ليُصبح في نفس اللحظة أميرا ومليونيرا، هناك أيضا أربعة فائزين آخرون في المراكز التالية.
حضرت قبل أيام بث الحلقة على الهواء في مسرح الراحة بـ«أبوظبي»، وشاهدت كيف يتفاعل الجمهور في الصالة أو البيت حيث تنقل الفعاليات مباشرة قناتا «الإمارات» و«بينونة» ليُصبح المشاهد على نفس الموجة، وبالطبع لجنة التحكيم تتكون من ثلاث قامات في الأدب العربي وهم الأساتذة الدكاترة عبد الملك مرتاض (الجزائر)، وعلي بن تميم (الإمارات)، وصلاح فضل (مصر). من البديهي أن آراءهم تكفي، إلا أن تفاعل الجمهور بذائقة مختلفة من عشاق اللغة العربية وبأمزجة متباينة يمنح الجائزة قيمتين أكاديمية وشعبية، أداء الشاعر يلعب دورا مؤثرا في وصول الجائزة إليه، وبالطبع كلما اتسعت الدائرة على ثقافات مختلفة يصبح تدخل الجمهور في توجيه المسار صحيا وصحيحا، ومن واقع متابعتي لاحظت في هذه الدورة أولا أن عدد النساء اللاتي وصلن لمشارف نهاية السباق قد أرتفع لأكثر من النصف، وتلك دلالة إيجابية، الملاحظة الثانية أن الشاعرات تميزن بالحضور بشقيه الإبداعي والأدائي، صحيح أن تاريخنا العربي مليء بعشرات من الشاعرات الآتي وصلن للقمة، ولكن ما تحفظه الذاكرة من أبيات الشعر منسوب أكثر للرجال، ومن الممكن أن نُعزي ذلك إلى أن الإبداع عموما والشعر خاصة يحتاج إلى جرأة، ولا يزال مجتمعنا العربي مهما أبدى عدد من نخبته أو مثقفيه ترحيبهم بالمرأة فإن هناك تحفظا ما يواجهها، لو تخيلنا مثلا أن شعر نزار قباني كتبته امرأة، لنالها من الانتقاد عشرات مضاعفة من الاتهامات التي تصدى لها كرجل.
قبل نهاية هذا الشهر سيتم إعلان اسم أمير جديد للشعراء العرب، وفي العام العالمي للمرأة أشعر أن هذه ستصبح هي المرة الأولى التي تتوج فيها امرأة عربية وعن جدارة باللقب، ليصبح لدينا في تاريخنا العربي أول أميرة للشعر تُشرق في «أبوظبي».