أحمد دياب
باحث وصحافي مصري - نائب مدير تحرير مجلة {الديمقراطية} - مؤسسة {الأهرام} - مصر
TT

الاتحاد الخليجي.. ضرورة لمواجهة التحديات

تشير الخبرة التاريخية إلى أن الشعور بخطر أمني أو عسكري وما ينتج عنه من حاجة إلى دفاع مشترك، كان أحد الأسباب الرئيسة التي نجدها في جميع التجارب والمحاولات الوحدوية، فالدفاع المشترك كان الباعث الرئيس في خلق الولايات المتحدة، والخوف من الأخيرة وحد الأقاليم الكندية، والخوف من التوسع الألماني في الباسفيك كان عنصرا موحدا في اتحاد أستراليا، والخوف من روسيا السوفياتية كان العنصر الحاسم في مسيرة الوحدة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية (سوقا وجماعة واتحادا). وقد يكون صحيحا، على الأرجح، أن الدول والمجتمعات تتحد بعضها مع البعض، أحيانا، سعيا إلى تحقيق مكسب اقتصادي أو رغبة في توكيد استقلال سياسي، لكنها تتحدد، دائما، إذا كانت متأكدة وواثقة أن الاتحاد يضمن ويؤمن بقاءها، وحتى عندما يبدأ الاتحاد في تحقيق النجاح دون شعور بخطر، فإنه من الصعب المحافظة عليه من دونه، إذ يكشف التاريخ بوضوح عن أن الاتحادات السياسية القوية ظهرت ورسخت فقط بسبب اتحادات أخرى معادية. فغياب الخطر الخارجي أو زواله يؤدي تلقائيا إلى فشل الاتحادات السياسية والمحاولات الوحدوية. وهناك قول مأثور في أوروبا «إن الأمة جماعة من الناس موحدة بخطأ مشترك نحو أسلافها، وبكراهية مشتركة نحو جيرانها»، ولعل ما يحدث في الاتحاد الأوروبي الآن من تقلصات وتراجعات لا يعود السبب فيها إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية، وإنما تجد أسبابها العميقة بتلاشي وغياب التهديد السوفياتي منذ انتهاء الحرب الباردة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي نفسه في ديسمبر (كانون الأول) 1991. بل ويذهب البعض إلى أن انفجار الأزمة المالية في الغرب إجمالا، ومؤشرات الضعف والتراجع في القوة الأميركية نفسها تحديدا، يعود في جزء كبير منه إلى غياب التحدي السوفياتي. فالتحدي الخارجي يوحد الأمم والشعوب ويشحذ طاقاتها، ويجعلها تعلو فوق دواعي ضعفها وعوامل انحلالها.
ولم تكن المخاطر والتحديات الخارجية، الإقليمية والدولية، بعيدة عن طرح فكرة تأسيس مجلس التعاون الخليجي قبل ثلاثين عاما؛ فرغم التشابه الواضح والتقارب الكبير في البنى الاجتماعية والثقافية، والتطابق التام في طبيعة نظم الحكم في الدول الخليجية الست، ناهيك بالجوار الجغرافي بالقطع، وتوفر القاعدة الإقليمية القائدة (السعودية)، فإن هذه الدول لم تفكر قبل ذلك الوقت في الدخول في تجمع أو منظومة إقليمية واحدة، وقد يكون مرد ذلك في جزء كبير منه إلى تأخر بعض دول الخليج في الحصول على استقلالها إلى أوائل السبعينات الماضية، فضلا عن انضواء هذه الدول في تجمعات إقليمية أكبر مثل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. لكن التحديات والمخاطر التي واجهتها دول الخليج منذ أوائل الثمانينات الماضية جعلت التفكير في إنشاء تجمع أو منظومة إقليمية مشتركة أمرا لا مفر منه. فليس مصادفة أن يحدث ذلك عقب عدة تطورات وتحديات إقليمية ودولية حادة ولافتة، إقليميا: توقيع مصر لاتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل في سبتمبر (أيلول) 1978، ثم معاهدة السلام في مارس (آذار) 1979، وما ترتب عليه من خروج مصر من معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي، ثم تفجر ثورة الخميني في إيران في فبراير (شباط) 1979 وشعاراتها بشأن تصدير الثورة للجوار، وتولي صدام حسين للسلطة في العراق في يوليو (تموز) من نفس العام، وهو الطامح إلى تعزيز دور العراق الإقليمي في الخليج والمشرق العربي، ثم تفجر الحرب العراقية - الإيرانية في سبتمبر 1980، والتي دامت ثماني سنوات وطال شررها بعض دول الخليج، ودوليا: الحدث الضخم المتمثل في غزو الاتحاد السوفياتي السابق لأفغانستان في أواخر ديسمبر 1979، ومطامعه في الوصول إلى المياه الدافئة وتهديد منابع النفط في الخليج، وما ترتب عليه من زيادة الوجود الأميركي في الخليج، وانتقال ساحة المواجهة في الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو من أوروبا وشرق آسيا إلى الخليج العربي وجنوب آسيا.
كذلك لم تكن المخاطر والتحديات الإقليمية والدولية بعيدة عن دعوة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لدول مجلس التعاون إلى تجاوز مرحلة التعاون إلى الاتحاد في كيان واحد، خلال قمة الرياض الـ32 التي انعقدت في 19 ديسمبر 2011، خاصة بعد الفوضى والاضطرابات التي عمت العالم العربي، بعد اندلاع ما يعرف بـ«ثورات الربيع العربي»، فضلا عن إعلان واشنطن عن استكمال انسحابها من العراق في أواخر عام 2011، وإمكانية أن يتحول الأخير إلى ساحة لتمدد النفوذ السياسي والعسكري لإيران، سواء بحجة العداء الإسرائيلي لها، أو بحجة الحاجة المشروعة إلى إقامة توازن جديد للقوة مع تركيا الصاعدة، هذا إلى جانب انفجار الأوضاع في سوريا التي تهدد بانفجار صدام طائفي، سني - شيعي، في المشرق العربي والخليج يهدد الأمن والاستقرار في دول المنطقة.
ورغم هذه التحديات فإن دعوة العاهل السعودي قوبلت في البداية بتباين في المواقف الخليجية، لكن تعاظم التحديات خلال الفترة الأخيرة يجعل من إقامة الاتحاد الخليجي ضرورة حتمية تجب أمامها أي تحفظات أو ترددات، لمواجهة هذه التحديات غير المسبوقة، خاصة بعد الانفتاح الأميركي على إيران واحتمالات عقد «صفقة» بين واشنطن وطهران، من المؤكد أنها لن تكون في صالح دول الخليج والعرب عموما، الأمر الذي يتطلب ضرورة صياغة استراتيجيات خليجية وقائية تعتمد على الذات أكثر من الارتكان إلى الخارج، البحث عن تحالفات جديدة وبديلة إقليميا ودوليا، بناء موقف خليجي مستقل عن الموقف الأميركي، الذي لا تتطابق مصالحه وسياساته ومواقفه مع المصالح والسياسات والمواقف الخليجية والعربية، خاصة في ضوء ما يبدو تراجع أهمية منطقة الخليج في الاستراتيجية الأميركية لأسباب ثلاثة: تزايد الإنتاج الأميركي من النفط والغاز الصخري، تحول بؤرة تركيز الاستراتيجية الأميركية من الشرق الأوسط إلى منطقتي شرق آسيا وجنوب شرقها لاحتواء الصين، صعود جيل جديد من السياسيين الأميركيين يشكك في تكلفة ومضمون العلاقة بين الولايات المتحدة ومنطقة الخليج.
* باحث وصحافي مصري،
نائب مدير تحرير مجلة «الديمقراطية» - مؤسسة «الأهرام»