خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

أشراف روما

اعتاد العراقيون من أهل بغداد على تسمية الحرامية والمختلسين من أموال الدولة بأنهم «أشراف روما». لم تكن لهم أي علاقة بروما أو إيطاليا، ولكنها كانت مسرحية وليم شكسبير «يوليوس قيصر» التي جمعتهم في الثلاثينات من القرن الماضي. دأب عميدي وأستاذي حقي الشبلي - رحمه الله - على إخراج هذه المسرحية وتقديمها للعراقيين في بغداد. كان مهووساً بها لسبب بسيط، وهو أنه لم يكن فيها أي أدوار للنساء غير دورين موجزين، أحدهما لكليفورنيا، زوجة القيصر، وبورشا زوجة النبيل بروتس. وكانا دورين موجزين لهما، بحيث استطاع المخرج العراقي حذفهما كلياً دون أي نقص مهم في المسرحية.
كان المسرح العراقي يعاني من مشكلة الممثلات، فلم تكن هناك أي فتاة أو امرأة مستعدة للاختلاط بالذكور والظهور على المسرح. وهكذا اعتاد حقي الشبلي وسواه من المخرجين على تحاشي تقديم مسرحيات فيها أدوار مهمة للإناث. وهو سر توله حقي الشبلي بتقديم «يوليوس قيصر» ولا سيما أنها دارت حول التآمر على الحكومة والقيام بانقلاب ضدها، الموضوع الذي يفهمه العراقيون ويتحمسون له! غير أن هذه المسرحية الشكسبيرية تطلبت عدداً كبيراً من الممثلين الذين لزمتهم مشكلة الثياب الكلاسيكية لشخصيات إيطالية في عهد الإمبراطورية الرومانية. تسابق الخياطون في بغداد على تفصيل وخياطة كثير من الثياب التاريخية الزاهية والمكلفة.
قدمت المسرحية على مسرح «ألف ليلة وليلة» في منطقة الميدان من العاصمة العراقية. انتهى الموضوع وشهد الجمهور هذه المسرحية لليلة أو ليلتين وخزنوا لوازمها في مخازن القاعة. بيد أن الأستاذ حقي الشبلي شاء أن يعيد تقديمها ثانية بعد بضعة أسابيع. لم يستطيعوا العثور على الثياب اللازمة لـ«أشراف روما». وكانت ثياباً حريرية مكلفة. نادى الأستاذ حقي على حارس القاعة وسأله عنها فأجابه قائلا: سيدي أخذوها أشراف روما! يظهر أن هذه الثياب الحريرية الجميلة، والمكلفة طبعاً، قد راقتهم فخرجوا بها.
قال صاحب المقهى المقابل: «أستاذ أنا شفتهم بعيني. طلعوا من باب الشانو وجببهم الحريرية عليهم، خضرة وحمرة وبيضة وكل لون. طلعوا بها وراحوا يمشون ويتبخترون بشارع الرشيد. ئي! نعم شفتهم بعيني»!
حاول الأستاذ حقي مساءلة الممثلين ومطالبتهم بإعادة ثيابهم. ولكنهم طبعاً كانوا أثناء ذلك قد باعوا تلك الثياب الثمينة في سوق الهرج المجاور أو صنعوا منها فساتين بديعة لزوجاتهم وبناتهم.
«ئي نعم! أخذوا الهدوم أشراف روما». راح القوم يعلقون على ما جرى ويتفكهون، وسرت الحكاية في الأوساط البغدادية. «أشراف روما باكوا (سرقوا) هدوم أشراف روما». وسرعان ما انتقلت الحكاية من فم إلى فم بحيث أصبح القوم يطلقون «أشراف روما» على كل الحرامية والمختلسين من أموال الدولة. «منو باك» خزينة وزارة النفط وشركة الكهرباء... وأوقاف المسلمين... و... و... طبعاً وبكل تأكيد «باكوها أشراف روما». بيد أنني أتصور العبارة وقد حولها العراقيون اليوم من «أشراف روما» إلى «أشراف إيران».