بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترمب، مشاعر يسميها علماء النفس «علاقة حب وكراهية». هذه العلاقة كان السبّاق في الكشف عن لواعجها دونالد ترمب، حين أعرب عام 2016 عن إعجابه ببوتين، ووصفه بالقائد «الذكي جداً».
يومها، كان ترمب لا يزال مرشحاً للرئاسة الأميركية، يدلي بتصريحات لا عقال عليها ولا رقيب.
أما في عام 2017، وبعد أن أصبح رئيساً منتخباً لكل الأميركيين، فقد عاد ترمب إلى الاقتراب من رؤية الغالبية العظمى من الحزب الجمهوري للرئيس بوتين، خصوصاً تقويم صانعي القرار السياسي الخارجي، فيما ساهمت الاتهامات الواسعة لروسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية في التزام ترمب الحذر من الظهور بمظهر «المتواطئ» مع بوتين.
ولكن، وبصرف النظر عن المشاعر الشخصية، لم يبد الرئيس الروسي تجاوباً يذكر مع تسريبات البيت الأبيض حول استعداد الرئيس ترمب للتفاهم معه على «صفقة دولية شاملة»، تطال كل القضايا الخلافية بين البلدين، وبينها أحدثها؛ النزاع السوري.
هل ستكون سوريا القشة التي ستقصم ظهر التفاهم الروسي - الأميركي المقترح؟
للوهلة الأولى، يبدو هذا الافتراض مبالغاً فيه، مقارنة بالسجل الحافل بالخلافات الأميركية - الروسية الأخرى، ولكن سوريا تبقى أفضل ورقة مساومة دولية أتيحت لحاكم روسي منذ عهد القيصرة كاترين الثانية، فلا غرابة في أن يحولها بوتين إلى «فاتورة» حسابات جارية مع الولايات المتحدة.
من نافل القول أن أي تسوية سياسية مقبولة للنزاع السوري لن تكتمل فصولها دون مشاركة فعالة ومؤثرة من الولايات المتحدة، واستطراداً من العالم العربي، خصوصاً في حال تضمنها التزامات بإعادة إعمار سوريا الباهظة الكلفة. إلا أن المشاركة الأميركية مرهونة، بدورها، بأكثر من عامل سياسي واقتصادي، يتجاوز العلاقة الشخصية بين الرئيسين الروسي والأميركي.
من حيث المبدأ، قد يكون العامل الشخصي هو الأقل تأثيراً على العلاقة الأميركية - الروسية الرسمية. ولكن «مزاجية» الرئيس ترمب، وأوتوقراطية الرئيس بوتين، لا تشجعان على إغفال هذا العامل.
على الصعيد العسكري، جل ما يبتغيه ترمب من بوتين في سوريا، في الوقت الراهن على الأقل، هو مشاركته في القضاء على «دولة الخلافة الإسلامية» المزعومة.
ولكن حتى مطلب المصلحة المشتركة هذا لم يؤمنه بوتين إلا في نطاق مصلحته الخاصة. وغير خافٍ على أي متتبع للمجهود العسكري الروسي في سوريا أن طلعات سلاح الجو الروسي لم تقتصر، منذ بدايتها، على قصف مواقع «الإرهابيين الإسلاميين» فحسب، بل شملت فصائل المعارضة السورية أيضاً، بكل أطيافها، بما فيها الفصائل المتعاطفة مع الولايات المتحدة.
إذن، مدخل التسوية السياسية في سوريا، أي فرضية الالتقاء السياسي الروسي - الأميركي على صيغة مقبولة لها، مرتبط بمطالب روسيا من الولايات المتحدة بقدر ما هو مرتبط بالشروط الأميركية، وربما أكثر أيضاً، ما ظلت روسيا ممسكة بالقرار العسكري في سوريا، ومتطلعة إلى توظيفه في أي تسوية ممكنة للنزاع السوري. وغني عن التذكير أن مطالب روسيا من الولايات المتحدة كافية، بحد ذاتها، لتدويل النزاع السوري، وتعقيد حله، إذ تشمل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، والقبول بـ«استعادتها» شبه جزيرة القرم، وبوجودها في شرق أوكرانيا، إضافة إلى مطلب جديد تعتبر أنها استحقته بتدخلها العسكري في سوريا، هو قبولها شريكاً متساوياً للولايات المتحدة في القرار الدولي... وهو مطلب تعجيزي بالنسبة لدونالد ترمب الذي خاض الانتخابات الرئاسية متسلحاً بشعار «أميركا أولاً».
TT
«فاتورة» الرئيس بوتين
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة