روس دوثات
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

حركة مقاومة الإنترنت!

حتى الآن، عبر سلسلة المقالات التي تناولت خلالها أفكاراً تبدو مجنونة، طرحت مقترحات لتحسين العلاقات بين أبناء الأعراق المختلفة، وحل المشكلات التي تعاني منها الطبقة العاملة. وعليه، حان الوقت الآن للتحول إلى التهديد الحقيقي للمستقبل البشري؛ إنه ذلك القائم الآن داخل جيوبك، أو على مكتبك، أو ربما ذلك الذي تقرأ من خلاله هذا المقال الآن.
وإذا أمعنت النظر في قرارة نفسك، ستعرف أن ما أقوله صحيح تماماً؛ لقد أصبحت عبداً لشبكة الإنترنت، أنت عبد بالتأكيد إذا كنت شاباً صغيراً، وعبد على نحو متزايد إذا كنت كبير السن، ذلك لأن وجودك في الحياة من يوم لآخر، ومن دقيقة لأخرى، يهيمن عليه الرغبة المحمومة لتفقد حسابات البريد الإلكتروني الشخصي و«تويتر» و«فيسبوك» و«إنستغرام»، بمعدلات تتجاوز أي متطلبات للتواصل على صعيد أي من العلاقات الإنسانية.
إلا أن هذا لا ينفي بالتأكيد أنه حال التعامل مع الإنترنت بمعدلات معقولة، فإنها تعد بمثابة نعمة جديدة أنعمت بها الحياة الحديثة علينا، لكننا لا نفعل ذلك. في الواقع، لقد تحولت الأجهزة المتصلة بالإنترنت إلى السيد، بينما لا نعدو نحن كوننا عبيداً لها. وقد جرى تصميم هذه الأجهزة منذ البداية كي تسلبنا عقولنا، وتدفعنا لإدمان استخدامها، مثلما شرح عالم النفس آدم ألتر في كتابه الجديد المعنون بـ«لا يقاوم».
ويرى ألتر أن هذه الأجهزة صممت كذلك كي تصيبنا بالجنون، وتشتت تركيزنا، وتستثيرنا وتخدعنا. في الواقع، إننا نهتم بها كما لو كانت الحبيب، ونذعن أمامها بكشف أدق الخصوصيات في حياتنا، وننتظر على أحر من الجمر لأن يقدم شخص على وضع علامة «إعجاب» على ملصق نشرناه. لقد تحول الهاتف الذكي إلى خيّال، وأصبحت البشرية هي الخيل التي يقودها.
وعليه، فإننا بحاجة إلى حركة اجتماعية وسياسية - سمها الاعتدال الرقمي إذا شئت - لاستعادة بعض السيطرة. وقد ينفر البعض من الفكرة، باعتبار أنها ستعزلهم نهائياً عن عالم التواصل الاجتماعي، لكن هذا غير صحيح بالمرة، فالمقصود هنا تعزيز ثقافة كبح جماح النفس.
وعليه، ستبدأ حركة الاعتدال الرقمي في مقاومة جهود ربط كل شيء بالإنترنت، مع السعي لخلق مساحات يصبح خلالها استخدام الإنترنت مجرماً أو مكروهاً أو مرفوضاً اجتماعياً. ويمكن للحركة السعي لتشديد عقوبات استخدام الهواتف الخلوية في السيارات، واستخدام الكومبيوترات خارج قاعات المحاضرات بالجامعة، ووضع «صناديق هواتف» داخل المطاعم، بحيث يترك الزائرون هواتفهم فيها، مع إقرار قوانين بمصادرة الهواتف الذكية داخل المتاحف والمكتبات والكاتدرائيات، وإقرار أعراف عمل داخل الشركات تدين بشدة تفحص رسائل البريد الإلكتروني أثناء الاجتماعات.
وثمة خطوات أكثر جرأة، مثل إلغاء وجود الكومبيوترات تماماً داخل المدارس الابتدائية، خصوصاً مع عدم وجود أدلة قوية تدعم فكرة أنها تحسن عملية العلم. دعوا الأطفال يتعلموا من الكتب لسنوات، قبل أن يطلب منهم الاستعانة بالإنترنت في إجراء أبحاث. دعوهم يلعبوا على أرض الواقع، قبل أن يبتلعهم العالم الافتراضي.
بعد ذلك، ربما نتمادى أكثر نحو مزيد من الإجراءات المقيدة، بحيث نرفع السن المطلوب لإنشاء حساب عبر «فيسبوك» من 13 عاماً إلى 16 عاماً، مع عدم السماح للأطفال دون الـ16 بالدخول إلى شبكات الألعاب، وحظر دخول طلاب المدارس الثانوية المدارس وهم يحملون هواتف ذكية، وحظر اقتناء الأطفال دون 13 عاماً هواتف ذكية على الإطلاق.
في الواقع، أعتقد أن بعض هذه الأفكار قد تقرها بالفعل في حياتي قطاعات من الطبقة العليا، وأنماط معينة من الأسر المتدينة، إلا أن الجماهير العامة ستظل على إدمانها للإنترنت، في الوقت الذي ستتطور فيه التكنولوجيا المرتبطة بها، لتدفع الناس لإدمانها والانغماس فيها، وخلق عزلة بينهم وبين من حولهم على نحو أقوى وأشد تأثيراً.
ومع هذا، ماذا لو قررنا أن ما هو جيد بالنسبة للوردات «سيليكون فالي» الذين يرسلون أبناءهم لمدرسة والدروف التي تعتمد على الحد الأدنى من التكنولوجيا، جيد أيضاً لنا جميعاً؟ بالتأكيد ستبقى أجهزتنا الإلكترونية بحوزتنا، لكننا من سيحدد شكل استخدامها وحجمه. دعونا نوحد صفوفنا، ونعمل على إقرار مزيد من الاعتدال، وعليك الوقوف إلى صفنا كي ننقذك من ذلك الطاغية القابع في جيبك!

*خدمة «نيويورك تايمز»