مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

أصحاب «المسألة السيكلية»!

في مقاله الأخير بجريدة «عكاظ» استفاض الناقد السعودي علي العميم في مقالته الثرية، كالعادة، بعنوان «الليبرالي ولي الدين يكن ورجال الدين والاستعمار والسيكل!».
تحدث العميم عن شخصية الشاعر والسياسي المصري التركي، ولي الدين يكن، ضمن سياق هذه حلقته الثانية، وسرد حكاية ليكن، ظريفة، المعادي لبعض رجال الدين وقواعدهم الريفية بكتابه «المعلوم والمجهول»، عن شبان وصبية ونسوة أهل «سيواس» من المسلمين والأرمن، يقول: «كنت أخرج لبعض الخلوات مع رفقة لي. محمولين على الدراجات. فيرجمنا الشبان والصغار بالحجارة وكم اضطررنا إلى تهديدهم بالمسدسات رداً لأذاهم فرددناهم وما كدنا. وهم يسمون الدراجة (شيطان عربة سي) أي عربة الشيطان. ولما استمر اعتداؤهم وأعيتنا الحيل في اكتفاء شرهم عمد كل منا إلى دراجته فباعها».
الظرافة في الموقف القديم من هذا المخترع العجيب لأهل ذاك الزمان، الدراجة الهوائية، أو «السيكل» باللهجة السعودية، أن هذا الموقف ليس خاصاً بشعب دون شعب، بل ردة فعل «عامة» تكرارية.
العميم نقل عن الباحث السعودي سليمان الحديثي في مقالة له بعنوان «من أين جاء حمار الشيطان وحصان إبليس؟» نشره بجريدة «الاقتصادية» قال: «تذكر بعض المراجع أن الدراجة (الهوائية) دخلت الدولة العثمانية، بالتحديد بمدينة (إسطنبول) أول مرة عام 1855 مع توماس ستيفانوس، ثم انتشرت بعد ذلك في تركيا، وأنهم أطلقوا عليها مسمى سيارة الشيطان».
ومما جاء لدى الحديثي، اقتباس من مقال كتبه محمد سعيد خوجة سنة 1932 عن الدراجات نعى فيه على العوام تسميتهم الدراجة «حمار الشيطان» والراديو «صوت بزورة الجن». و«بزورة» باللهجة الحجازية، تعني الصبية.
خوجة جزم أن هذه الأوصاف وصلتنا من الخارج وتداولناها تقليداً. لكن الباحث الحديثي أشار إلى وجود مثل هذه المواقف من «السيكل» أو الدراجة الهوائية، في دول مثل البحرين والعراق وتركيا وإيران. بينما رأى العميم أن الموقف ليس نقلا عن مجتمع آخر، بل هي ردة فعل طبيعية دون تلقين من مجتمع لمجتمع.
هذا كله ذكرني أيضاً، بحكاية مقاومة تعليم البنات، في السعودية، والتي يردد البعض، بببغائية، أن الرفض كان محصوراً في إقليم أو بلدة معينة، بينما الواقع أن ذلك كان موقفاً متكرراً بأكثر من إقليم وبلد، حتى من غير العرب مثل جزر القمر! والتفاصيل في كتاب الباحث السعودي عبد الله الوشمي بكتابه «فتنة القول بتعليم البنات».
الغرض من هذا الكلام، الحرص على تناول الأمور كما جرت، لا كما يتم ترديده، لهدف أو لآخر، دون بصيرة، في جلد للذات، من قبل من سماهم العميم أصحاب «المسألة السيكلية».
[email protected]