د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

إيران والخليج... من حرك المياه الراكدة؟

الزيارات المتبادلة التي تمت في فترة وجيزة بين بعض المسؤولين في دول الخليج العربي من جهة وإيران والعراق من جهة أخرى قد تنبئ بمرحلة جديدة في العلاقات الخليجية الإيرانية، بيد أن السؤال المهم يبقى، وهو: من حرك المياه الراكدة فجأة بين دول الخليج العربي من جهة وإيران والعراق من جهة أخرى؟ أعتقد أنها الأحداث الإقليمية والدولية، خاصة بعد وصول الرئيس الجديد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض - وهو الذي يحتسب من الصقور - وخاصة تصريحاته النارية ضد طهران وفرض عقوبات جديدة على إيران والتلويح بإعادة النظر في اتفاق الملف النووي، حيث وصف رونالد ترمب الاتفاق النووي الذي وقع مع إيران بأنه «كارثة وأسوأ اتفاق تفاوضي على الإطلاق». وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية في موجز صحافي: «إن الاتفاقية النووية ليست معاهدة رسمية، وبالتأكيد فإنه لا أحد يستطيع منع أي طرف آخر في هذا الاتفاق من الانسحاب». ومما عزز من صلابة الموقف الأميركي الجديد من إيران تصريح وزير الدفاع الأميركي الجديد جيمس ماتيس عندما وصف إيران بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم.
متغير آخر جديد دخل على كل الموقف الأميركي المتشدد، وهو ردود فعل القوى الدولية الفاعلة في العالم وعلى رأسها موسكو، التي ارتأت أنه لا بد من وقفة جادة من دون تسويف لحل الأزمات المتفاقمة في المنطقة، التي أصبحت تشكل خطراً على العالم أجمع، وعلى رأسها الوضع في سوريا، ما تمثل في جمع الفرقاء السوريين في محادثات «آستانة»، وكذلك هناك إشارات على أن الموقف الأوروبي بخصوص إيران بدأ يتخذ العد التنازلي لانقلاب الغرب على إيران من جديد، ومثال على ذلك ما أشارت إليه رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي أمام القمة الخليجية في الجلسة الختامية في البحرين، حيث حذرت من أن إيران تسعى لتعزيز سيطرتها على سوريا. وتقف إسرائيل بقوة وراء كل ذلك، حيث صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه سيناقش عند زيارته لأميركا مع دونالد ترمب الاتفاق النووي «السيئ»، ولا ننسى أن كل هذه الدول بينها قاسم مشترك، وهو القضاء على «داعش» (أرجو الرجوع إلى مقالي في «الشرق الأوسط» - إرهاب «داعش» يوحد العالم - 9 سبتمبر/ أيلول 2014)، كل هذه المعطيات السابقة فرضت على طهران السعي لإيجاد مخرج آمن من الطوق الذي بدأ يفرض عليها قبل استحكام الخناق، ولم تكن مبادرة الكويت وزيارة وزير خارجيتها إلا بداية لتقريب وجهات النظر، ولم يمض وقت طويل حتى حط روحاني بالكويت وسلطنة عمان، وأعقب ذلك زيارة أمير الكويت إلى عمان، وجاءت زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد ولقاؤه برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ووزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، لتتوج الموقف الدراماتيكي في العلاقات بين دول الخليج من جهة وإيران والعراق من جهة أخرى.
هناك مستجدات أخرى أدت إلى كل ذلك، وهي أن إيران وصلت إلى مرحلة لم تعد قادرة فيها على تنفيذ مخططها، وما تصريحات قادتها بالرد على أميركا إلا فقاعات في الهواء ومناورات لكسب الموقف في الداخل، وسبب ذلك أن تدخلها المباشر في سوريا كلفها الكثير، علاوة على أن تدخلها في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي وحرب اليمن ودعمها للحوثيين، قد زاد الطين بلة، وبالتحديد على قدراتها العسكرية وعلاقاتها الدولية، ولذا ما كان لها إلا أن تجد لها مخرجاً سياسياً، ولم تجد أفضل من العمل على انفتاحها على دول الخليج العربي، لإدراكها أن العالم مقبل على خريطة جديدة في العلاقات الدولية واحتمال تخلي أقرب صديق عنها، وهي روسيا، التي بدأت تعمل على التقارب مع واشنطن، وهو ما سوف يضعف الدور الإيراني في سوريا وكذلك في العراق.
أنهكت الحرب في سوريا الجميع، والدولة التي حاولت إلى حد ما ألا تستنفد قواها هي أميركا، وتشاء الظروف في المرحلة الحالية أن يعتلي هرم السلطة فيها صقور من الحزب الجمهوري، لن يترددوا في القيام بأي عمل عسكري إذا ما استمر الوضع الدولي كما هو، والأيام القادمة حبلى بالأحداث التي سوف تغير خريطة العلاقات الدولية، وإن غدًا لناظره قريب.