مارك غيلبرت
TT

هل اليونان في طريقها إلى البريكست؟

وقعت اليونان في خلاف كبير بين الدائنين الرئيسيين؛ فمن جانب، هناك صندوق النقد الدولي، الذي يقول: «هناك حاجة ماسة إلى تخفيف أعباء الديون الكبيرة». وعلى الجانب الآخر هناك مؤسسات منطقة اليورو، التي تصر على وجود الفائض الرئيسي في الميزانية بنسبة 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ولا مزيد من تخفيف الأعباء بعد ذلك. ولا بد من وجود شيء في المقابل – ويمكن أن تكون عضوية اليونان في منطقة اليورو.
وهناك موعدان نهائيان – أحدهما عسير والآخر يسير – يلوحان في الأفق. والموعد اليسير هو ما أسفر عنه اجتماع وزراء المالية في منطقة اليورو في بروكسل، والموعد النهائي العسير يأتي في شهر يوليو (تموز)، عندما يتزايد سداد الديون الشهرية اليونانية إلى نحو 8 مليارات يورو (8.5 مليار دولار).
ومع الانتخابات الهولندية المنتظرة في الشهر المقبل، ويعقبها التصويت الفرنسي، ثم الألماني، بات من الواضح أنه كلما طال أمد الصراع، انخفضت الرغبة في الوصول لتسوية الأوضاع، ولكن مع بقاء كل الأطراف في حالة مستمرة من الخلاف الرئيسي، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن التخطيط للوصول إلى حل للأزمة، وقالت المفوضية الأوروبية يوم الثلاثاء إنه لم يحدد موعد لإجراء المحادثات للمتابعة. وإيجازاً للقول، لا تزال اليونان في طي النسيان.
وإليكم ما قاله صندوق النقد الدولي في أحدث التقييمات الصادرة عنه حول الاقتصاد اليوناني، والذي نشر مؤخراً:
التخفيف من أعباء الديون وحده ليس كافياً لمعالجة التحديات السياسية في اليونان. وهذا هو السبب في أن المنهج المزدوج أصبح من الضرورات الملحة من أجل العودة إلى النمو المستدام والازدهار: مما يعني السياسات الطموحة من جانب السلطات اليونانية والتخفيف الطموح من أعباء الديون من جانب شركاء اليونان في أوروبا.
يصر وزير المالية الألماني، فولفغانغ شويبله، رغم ذلك، على التخفيف من أعباء الديون الإضافية غير المدرجة على القائمة. وإليكم ما صرح به الوزير الألماني لإذاعة (إيه آر دي) خلال الأيام الماضية:
«لا يمكننا إجراء تخفيض لقيمة الأصول لدى عضو من أعضاء العملة الأوروبية الموحدة، فهو أمر مستبعد بموجب معاهدة لشبونة. وبالنسبة لذلك، من شأن اليونان أن تغادر منطقة العملة الموحدة. ولا بد من مواصلة الضغوط الممارسة على اليونان لأجل إجراء الإصلاحات المطلوبة، وذلك حتى تصبح تنافسية بالقدر المعقول، وإلا فلا يمكن أن تبقى ضمن منطقة العملة الأوروبية الموحدة».
وفي حين أن حظر الحديث عن الإعفاء الكامل للديون هو من الأمور الصحيحة بشكل كبير، فإنه من الصحيح كذلك أن منطقة اليورو قادرة على العثور على مساحة كبيرة للمناورة في المعاهدات الموقعة عندما يكون ذلك ملائماً. وعلاوة على ذلك، فإن صندوق النقد الدولي يتحدث حول تمديد فترات السداد، بدلاً من التخفيض الفوري للديون الذي يجري فيه تخفيض دفعات السداد الرئيسية. والسيد شويبله، الذي اعتاد في كل فرصة متاحة الإشارة إلى احتمال مغادرة اليونان لمنطقة اليورو، يسلط الضوء على هذه العناصر في طرح صندوق النقد الدولي.
وتخير كلاوس ريغلينغ، رئيس آلية الاستقرار الأوروبية، تجاهل مناورة شويبله عندما صرح إلى صحيفة «فاينانشيال تايمز» مؤخراً بأن موقف منطقة اليورو موحد حول اليونان:
«في مايو (أيار) عام 2016. تعهد شركاء اليونان في منطقة اليورو بالمزيد من تخفيف أعباء الديون بحلول نهاية برنامج آلية الاستقرار الأوروبية في منتصف عام 2018، إذا ما كانت هناك حاجة إلى ذلك. وعلى المدى البعيد، تعهدوا أيضاً بتقديم المزيد من المساعدات، شريطة أن تلتزم اليونان بجانبها من الصفقة. ومن الصعب المبالغة في تقدير أهمية هذا التعهد، والذي أعلن عنه وزراء المالية في منطقة اليورو، فإن التضامن مع اليونان من شأنه أن يستمر».
وإن بدا ذلك غير مقنع، فإن التضامن الذي يشير إليه ريغلينغ والذي تتمتع به اليونان سوف يكون في صورة المدى القصير خلال موسم الانتخابات. ومع استمرار أمد الأزمة، فإن الاقتصاد اليوناني يعاني مع الأرقام المعلن عنها يوم الثلاثاء والتي تظهر تقلص الناتج المحلي الإجمالي بواقع 0.4 نقطة مئوية خلال الربع الأخير من عام 2016، مقارنة بتوقعات خبراء الاقتصاد بحدوث التوسع في الناتج المحلي الإجمالي اليوناني بنفس النسبة.
ولقد قلت مسبقاً إنه كان ينبغي على اليونان مغادرة اليورو بالفعل، حيث إن شركاء اليونان في منطقة اليورو، والذين يستعدون حالياً لمفاوضات الخروج البريطاني (البريكست)، وسلسلة من الانتخابات التي يمكن أن تسبب زعزعة في الاستقرار، من غير المرجح لهم المخاطرة بتحمل الاضطرابات عن طريق محاولة التمهيد لخروج اليونان هي الأخرى من الاتحاد. كما أن اليونان ليست راغبة في المغادرة بالأساس.
ولكن موسم الانتخابات الأوروبية قد بدأ مُهلاً علينا، وكذلك الموعد النهائي العسير لسداد الديون اليونانية في يوليو المقبل. ومن شأن العجز عن سداد الديون اليونانية أن يتعارض مع العضوية المستمرة لليونان في الاتحاد الأوروبي. ويحتاج صندوق النقد الدولي والمؤسسات الأوروبية إلى تسوية خلافاتهم على وجه السرعة، ونأمل في التوصل إلى اتفاق لرفع معدل التخفيف من الديون اليونانية. وخلافاً لذلك، فإن مخاطر مغادرة اليونان لمنطقة اليورو آخذة فعلاً في الارتفاع.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»